
رحلتي عبر السنين

بمناسبة ذكري يوم مولدي الرابع والسبعين
الأول من سبتمبر ١٩٥١
في كل عام يمرّ، لا أعدّ السنين بقدر ما أعدّ ما تركته فيّ من أثر، وما تركته أنا فيها من معنى. الرابعة والسبعون ليست رقمًا جديدًا في عمري، بل هي مرآة أتأمل فيها نفسي؛ ما تغيّر منها وما بقي صامدًا، وما نضج حتى صار فلسفة حياة. أكتب هذه الكلمات لا لأرثي الماضي ولا لأتجمّل أمام الحاضر، بل لأوثّق ما علّمتني إياه التجربة، وما صرت أراه بعين أكثر وضوحًا، ووجدان أكثر رضا.——————
حينما أسأل نفسي : “ما الذي تغير فيك و لديك بعد ٧٤ سنه من الحياة”
أدركت أنه رغم أنني أحمل أعباء الدنيا أحيانا على ظهري الا أن رفع عبء ذلك عن أسرتي الصغيرة والكبيرة وأحبائي أهم من السعي للحصول علي المكافأة لذلك ، ولا أحزن ان لم يُقَدّروا ما أفعله.
لقد توقفتُ منذ مدّة عن المساومة في الصغائر ، والتفاهات ، فبالنهاية، لن تزيدني الصغائر قيمة في الحياة
لقد تعلمتُ عبر السنين التوقف عن انتقاد الآخرين عمًال علي بطًال حتى عندما أدرك أنهم على خطأ، فرغم اهتمامي بإصلاح المجتمع، وجعل الجميع أفضل، ودعوتهم ليروا الجمال فيما حولهم الا أن السلام مع الكل قد يكون مناخاً افضل لكي يدركوا ذلك.
تعلمت بحكم سني وخبرتي وعملي المهني بلا أجر أن أتواصل مع كبار و صغار الأطباء فور رؤيتي لخطأ في روشته أو توصية بعلاج غير مناسب بدون حرج ومناقشتهم ومراجعتهم فيما يكتبون وكنت اتجنب ذلك من قبل .
صرتُ أمارس فن إظهار ما في الآخرين من حسنٍ بسخاء وحرية وبلا نفاق. بل صرت أستمتع باظهار أفضل ما في الآخرين آملاً أن يرتفعوا لمستوي ظني بهم
لقد صرت أقوي ،رغم المي أحياناً، عندما أواجه أحدهم يستفزني بعدوانية كي يدخلني في جدل عقيم أو يتهمني بما لم أقوله أو أفعله. على أي حال، في النهاية، لن يبقى شيء مما يقولون ، فليقولوا ما يريدون ويتبقي الحق حقاً.
في نفس الوقت
فلم يعد يملأني الزهو
بكلمات المجاملات واحيانا تعبيرات المحبة التي تتعدي حدود الخصوصية
ولا بالتصفيق والتحية
……
تعلمتُ أن أعيش كل يوم بإيجابية وأطور في عملي وأفكاري وأستمع أكثر مما أتكلم وقد كنت أتكلم أكثر مما أستمع.
أحببت دائما الحوار مع الأطفال والشباب وتعليمهم وصرت أتعلم منهم أكثر مما أعلمهم.
إنني أعمل الآن كل ما يجعلني أَشعر بالسعادة ويُشعر من حولي بالبهجة وأستمتع بحياتي بالشكل الذي أريده .
-أصبحت أستمتع بعلاقتي الخاصة مع الله بدون خوف من الافصاح عن ذلك أو الاضطرار للسير في شكليات القطيع حولي، ولا أهاب الإرهاب الفكري والنفسي الذي يمثله أحياناً سلوك القطيع.لقد أصبحت أكثر وضوحاً في التعبير عن ذاتي.
لقد كنت دائما قادرا علي نسيان الأذية ، وعدم كره من آذاني، ولكني الآن أصبحت قادراً أيضا علي المسامحة والغفران..
في سن الرابعة والسبعين.. ما زلت أحلم وما زلت أريد تحقيق نجاحات ،
ما زلت أحب وما زال عندي أمل في الانسانية ولها ، وصرت أكثر قدرة علي توثيق أحلامي وآمالي في مقالات وكتب ولوحات
في سني هذا ..أنا هو أنا ، وفلسفتي تشًبع بها وجداني وأصبحت أرددها بلا تردد، وأوثقها،لعل فيها خبرة يستفيد منها الآخرين.
مازلت أريد أن أتحاور وأكتب وارسم وأعبر
لقد كان مبدأي أن أرتفع فوق الرغبة ، وقد إزددت قدرة علي الاستغناء، فأصبحت أقوي
وأنا في الرابعة والسبعين … أنظر حولي وأشكر الله نعمته علي بالرضي والقناعةواستمرار شغفي بالعلم والمعرفة
وأنا في الرابعة والسبعين، أرى نفسي أكثر صفاءً وحرية، وأكثر قربًا من الحقيقة التي سعيت إليها عمري كله. لم تعد المناصب ولا الألقاب ولا الصغائر تشغلني، بل صارت الغاية أن أكون أنا كما أردت:
إنسانًا يهب ما يستطيع، يغفر ما استطاع، ويحيا بالحب والأمل ما دام القلب ينبض.
أشكر الله على نعمة الرضا، وعلى استمرار شغفي بالعلم والمعرفة، وعلى أنني ما زلت أملك الحلم، وما زال في داخلي صوت يقول لي كل صباح: ما زال الطريق ممتدًا، وما زال للحياة معنى يستحق أن يُعاش،
رغم كل ما حولنا من الم ومعاناة وظلم من الإنسان لأخوه الإنسان