
لا تفكر في المستقبل

هل يعي المتضررون من الذكاء الاصطناعي أن إمكانيات الذكاء الاصطناعي لن تتوقف عند وظائفهم؟
أتعلم أن أغلب وظائف الذكاء تتلخص في بشري يكتب أوامر له، فمِن أين ينبع يقينك بأن الذكاء سيعجز عن التنفيذ مستقبلًا بلا أوامر محنكة. أو بشري يراجع له، وما المانع في أن يراجع لنفسه؟ ربما عند اكتمال الحواسيب الكمية؟
لك أن تتخيل أن جل ما سيفعله البشري للذكاء هو وضع تعليمات ليسير عمله كما طُلب. لعل من السخف الظن بأنه سيعجز عن وضعها لنفسه مستقبلًا... أو الظن بأن لكائن اصطناعي يعلّم نفسه ويحسّن نفسه حدود يقف عندها.
وَعَدْتُ نفسي ألّا أخوض في أمر الذكاء واستبدال المترجمين، لأن لا شيء لنخوض فيه. وكل المهاترات الجارية بين مؤيد ومعارض لهلاك المترجمين على يد الذكاء يتلخص في توقعات...
فهل توقع أحد صنع البشر لشيء بهذه القوة والخطر؟ لا.
إذًا فلماذا الجزم بأي شيء سيحدث مستقبلًا أصلًا؟ ربما يصير الذكاء الاصطناعي غير قانوني بسبب خرق حقوق الملكية الفكرية؟ أو يقنن في مجالات معينة؟
لا يخفى على القاصي والداني أن عالمنا المعاصر شديد التقلب، ولا يدري الواحد منا إذ ينقلب عالمه بين ليلة وضحاها، حروب وأزمات اقتصادية وتقلبات مناخية وكوارث طبيعية.
تكاد تتلخص أغلى أماني الواحد منا في يوم يمر بلا أحداث. يوم ممل مضجر لا مصائب فيه ولا محاسن.
منذ أول مرة أذهلني فيها مستوى ترجمة الذكاء لم يخفني قط. لأنني كنت وما زلت أفضل منه، وهو سيظل قاصرًا عن البشر في جزئية فهم المشاعر مهما تتطور.
لكني علمت أنه سيكون وبالًا على كل مجال يوظف فيه، ليس لأن الذكاء نفسه ضار، وإنما لأن جشع البشر لا آخر له، جشع الشركات هو السبب الوحيد في كراهية أغلب الناس للذكاء.
كانت وما زالت وستظل، تبتغي الشركات تحقيق أعلى ربحية ممكنة، والذكاء هو طريقة شيطانية لها لتسهيل فعل ذلك، بالسرقة، نعم، الذكاء يسرق جهود البشر وإبداعاتهم، ووجوده خرق سافر لحقوق الملكية الفكرية. ولا ينكر هذا إلا من لم يتضرر منه بعد.
الشركات المجحفة تقلل الأجور بأكثر من تكلفة الذكاء عليها، لتزيدها أرباحًا فوق أرباحها.
وهذه هي مشكلة الذكاء الفعلية وخطره على البشر. إساءة استخدام البشر أنفسهم له.
ما سيجري مستقبلًا لا يعلمه أحد. فلن تغير ضحكات المنتفعين بالذكاء ولا نحيب المتضررين منه شيئًا.
تغيير وظيفتك من الترجمة إلى مجال آخر لا تبرع فيه، لن يغير شيئًا.
نحن في زمن حيرة. لا تفكر في المستقبل.
افعل أفضل ما يناسبك في هذا اليوم وهذه اللحظة، ولا تشغل نفسك بما سيحدث مستقبلًا.
فالترجمة ليست أبعد عن الهلاك ولا أقرب من أي وظيفة أخرى. الفرق بين وظيفة وأخرى هو مرور الوقت فحسب. حتى اللحظة، نظريًا، كل الوظائف من الحاسوب يمكن استبدالها، تبقت الوظائف البدنية، التي يقاربونها على استحياء بروبوتاتهم.
ونصيحة عامة لطلاب الترجمة والمترجمين، نصيحة تنطبق على هذه اللحظة وهذا اليوم فقط، إن كنت ترى نفسك أفضل في مجال آخر من في الترجمة فامض إليه.
فالنصيحة العامة لكم هي، لتكون أعلى من الذكاء مرتبةً في أي مجال لا بد أن تكون من رواده.
عليك بالاجتهاد للتميز.
وأخيرًا، سواء كنت متضررًا أم منتفعًا من الذكاء الاصطناعي الآن فحالك لن يدوم. صدّقني.
افعل ما في وسعك لاستغلال الفرص السانحة لك الآن على أفضل وجه.
ولا تيأس ولا تتشائم، ففي زمننا العجيب هذا؛ كل شيء وارد.
#نقاش.نت