من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

هل يستطيع شخص انطوائي أن يكتب رواية ناجحة ؟

المحرر الأدبي
هل يستطيع شخص انطوائي أن يكتب رواية ناجحة ؟

‏الإنسان الكتوم وكتابة الرواية


عالم الرواية عالم فسيح وفضاء شاسع، ومن يكتب الرواية يشبه مَن ينشر غسيله على السطح فتراه العيون من بعيد. فكاتب الرواية، مهما أخفى أو أبعد سيرته الشخصية عن أحداثها، لا يستطيع أن يحجب أفكاره أو رؤيته للأشياء؛ فطريقة الكتابة تكشفه، شاء أم أبى.

من هنا يبرز السؤال: كيف يمكن لشخص كتوم أن يكتب رواية ناجحة؟

ذلك الذي يحيط عوالمه الخاصة بأسوار عالية، ويحجب أفكاره وخيالاته، وتغيب عن قاموسه مفردة البوح. ليس البوح وحده، بل هو شخص يتجنب كثيرًا من المواقف بحثًا عن الطمأنينة النفسية، ويأخذ مسافة محسوبة بينه وبين الآخرين، حتى تبدو الحميمية لديه مقنَّنة إلى حدٍّ بعيد. إن صخبه وحنينه وأفكاره المزدحمة تبقى حبيسة داخله، لا يطلع عليها حتى أقرب المقرّبين.

قد يكون ذلك مقبولًا في الحياة الواقعية بوصفه خيارًا شخصيًا، لكنه في عالم الرواية عائق مؤثر. فالروائي يحتاج إلى التوغّل في شخصياته، وكشف الأفكار والمواقف والأحداث بلا تحفّظ. فالأسلوب السردي الآمن، الذي قد ينجح في القصص القصيرة أو التدوينات أو غيرها من الكتابات العابرة، لن يُقنع القارئ فنيًا في الرواية.

ومع ذلك، تحدث أحيانًا — وإن كانت حالات نادرة — أن يتحوّل هذا الإنسان الكتوم، المحاط بأسوار لا حد لها، إلى كائن آخر مغاير تمامًا حين يكتب السرد؛ فينأى عن كتمانه، ويتخلى عن موارباته، ويزهد في حياداته التي تثقل مواقفه في الحياة. يكتب عندها نصوصًا تدهشه قبل أن تدهش الآخرين، وتصبح الشخصية التي يكتب بها عوالمه السردية أرفع شأنًا وأكثر انفتاحًا من شخصيته الحقيقية التي يعيش بها في الوجود الواقعي.

‏الكاتب التركي أورهان باموق تحدث في كتابه "الروائي الساذج والحساس"عن النص الروائي قائلاً:"الروايات حياة ثانية،مثل الأحلام التي تحدّث عنها الشاعر الفرنسي نيرفال، تكشف لنا الألوان والتعقيدات في حياتنا وهي مليئة بالناس.عالم الرواية الذي نلتقي ونستمتع به هو أكثر واقعية من الواقع نفسه"