
لماذا ربطت كوريا الشمالية مصيرها بمصير روسيا؟

كوريا الشمالية قدّمت لروسيا في حربها مع أوكرانيا ما لم تقدمه أي دولة أخرى صراحة بهذا الشكل، فالإعلام الروسي والكوري معًا أقرّا بمستوى غير مسبوق من التعاون.
فقد أرسلت بيونغيانغ ما يقارب 28,000 حاوية ذخيرة بما يعادل 12 مليون قذيفة مدفعية عيار 152 ملم، إضافة إلى ما بين 4.2 و5.8 مليون طلقة مدفعية خلال عامي 2023 – 2025. كما سلّمت روسيا أنظمة مدفعية حديثة من نوع هاوتزر ذاتي الحركة، وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة، وصواريخ باليستية قصيرة المدى مثل KN-23 وKN-24.
ولم يقتصر الدعم على السلاح فقط، بل شمل أيضًا مشاركة مباشرة لجنود كوريين في المعارك، إذ تشير التقديرات إلى إرسال 10,000 – 12,000 جندي شاركوا في معركة كورسك، وسقط منهم قتلى وجرحى.
ويُذكر أن كوريا الشمالية تنتج سنويًا نحو 2 مليون قذيفة، خصصت جزءًا معتبرًا منها لدعم موسكو.
السبب الأهم وراء كل ذلك أن زعيم كوريا الشمالية ينظر إلى المعركة باعتبارها مصيرية: إن سقطت روسيا أو انكسرت، فالدور عليه.
يدرك أن الغرب لن يتوقف عند موسكو، بل سينتقل بعد ذلك إلى بكين وبيونغيانغ، لذلك فضّل أن يخوض المعركة مبكرًا إلى جوار روسيا بدل أن ينتظر حتى يأتيه الدور منفردًا.
هي حسابات عسكرية أولًا، قبل أن تكون حسابات سياسية أو اقتصادية.
وعندما ننظر إلى أمتنا نجد المشهد معكوسًا.
عْزة، وهي البوابة الشرقية لمصر، تُذبح منذ شهور، ومع ذلك لم تتحرك مصر ولا غيرها من الدول العربية كما تحركت كوريا الشمالية لروسيا.
مع أن المنطق نفسه كان يفرض أن تكون مصر أول من يدرك أن انهيار عْزة هو تهديد مباشر لحدودها، وأن الكيان الصهيوني إن انتهى من عْزة فلن يتوقف عندها.
المنطق العسكري وحده كافٍ ليُشعل الإنذار، ولكن الذي حدث هو التخلي والخذلان.
العالم كله يعرف كيف يتكتل إذا واجه عدوًا مشتركًا.
أوروبا توحدت أمام روسيا، والغرب كله يصطف معًا رغم اختلافاته.
كوريا الشمالية لم تتردد في ربط مصيرها بمصير موسكو.
أما نحن، فإن العدو واحد منذ 14 قرن وأكثر، ومع ذلك نتفرق ونتنازع، وتضيع منا البوصلة.
فمن المسؤول؟ هل العيب فينا نحن الشعوب التي صارت ترضى بالقليل وتخشى قول كلمة حق؟.
أم العيب في الحكام الذين استمرأوا الخنوع والتبعية؟.
أم في الدعاة الذين صمتوا وأعطوا الشرعية للاستسلام، فصاروا صمًا بكمًا لا ينطقون بالحق؟.
أم أن المصيبة الكبرى في دعاة المداخلة الذين نصبوا على الأمة حكّامًا بهذا الخور والجبن، ثم قالوا للناس: هذا هو الدين وهذا هو السمع والطاعة؟
بينما غيرنا يفكر بعقلية البقاء والمصير المشترك، نحن نتناحر ونُخرس كل صوت يذكّرنا بأن المعركة واحدة.
والنتيجة أن عدونا يتقدم، ونحن نتأخر، لا لأننا ضعفاء فحسب، بل لأننا مقيدون بقيودٍ وضعها بيننا من لا يعرفون معنى العزة ولا معنى الكرامة.
#نقاش_دوت_نت