
من بلاغة حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:

خطَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نموذجَ المجتمع المثالي، من خلال حديث السّبعة الذين يُظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه:
فبدأ بالإمام العادل، لأن قوام الحياة بالإمامة التي تنظّم شؤون الحياة وترعى حقوق العباد وتحرس مظاهر الدين، وخصّها بصفة العدل دون أيّ صفة أخرى؛ لأن العدل أساس الملك، ومن ضيّعه لا ينفعه أيّ صفة حسنة ولو كثرت!
ثم ذكر الشابّ الذي نشأ في عبادة الله، وهذا ركن ركين في المجتمع الصالح، أن ينشأ شابٌ ليس له صبوة، ينغمس في طاعة الله، فيكون مثلاً حسناً للجيل الذي يتذرّع عادةً بنوازع الشباب الفتيّة، وعماداً للمجتمع الفاضل الذي يستند في نهضته على سواعده القويّة، وما بعد القيادة العادلة الراشدة إلا القدوات الشبابية الصالحة!
ثم الرجل الذي ذكر الله في خلاءٍ ففاضت عيناه، مثلٌ للإخلاص وحسن القصد وصلاح السريرة، هذا جوهر المجتمع الفاضل، تحكمه النوازع القلبية الصافية، ويكون أفراده بهذه الرقّة الوجدانية التي تذوب حباً لله وتعظيماً لذكره وأمره، وبذلك يبني الإسلام مجتمعه على عماد من حسن التربية وجمال الإخبات، وهذا هو لبّ العبادة المذكورة في الصنف السابق!
ثم الرجل المعلّق قلبه في المسجد، مثلٌ للدوام والاستمرار مع دوام الحبّ والتعظيم، وهذا الصنف في المجتمع هو الذي يحميه من فترات الملل، وعثرات الطريق، واستطالة الأمل في الدنيا!
ثم الرجلان اللذان تحابا في الله، مثلٌ في المجتمع للعلاقة الإنسانية النبيلة، المعلّقة بالقصد الأعلى، المجرّدة من المصالح الدنيوية التي تحكم المجتمعات الفاسدة!
ثم الرجل الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله، مثلٌ للفرد الصالح الذي لا تغرّه المغريات مهما كثرت، ولا الشهوات مهما تيّسرت، يصدر في أفعاله عن مخافة الله، تلك الصفة التي إذا استوطنت في قلب رجل صلُحت أحواله في نفسه ومع غيره!
ثم الرجل الذي تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه، مثلٌ للتكافل الاجتماعي المخلِص البنّاء، وذلك مطمح المجتمع الفاضل الذي يسدّ فاقة فقرائه بما فضُل من أموال أغنيائه، بإخلاص ودون أذى ولا منٍّ!
وإن من دلائل بلاغة النبوة أنه سلك سبيل التنكير في بيان تلك الأصناف السبعة: إمام، رجل، شابٌّ، رجلان، رجل، رجل، وليس كما فعلتُ في شرحي من تعريفها؛ وذلك ليأخذ هذا البيان الفخم صورةَ النموذج الحيً المَرِن، القابل للتمثّل في أيّ زمان وفي أيّ مكان، وتحت أيّ ظرف، مع ما في ذلك من تعظيم هذه النماذج!