من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

"رياض السنباطي". و روعة "الأطلال" في ذكرى رحيله .

خالد عبد العزيز


من الطبيعي جداً، ومن المنطقي للغاية، أن تختلف الآراء والأذواق حول أفضل أعمال سيدة الغناء العربي "أم كلثوم"، إلا أنه في معظم الأحيان ستتصدر السباق أغنية "الأطلال" التي نظم أبياتها الشاعر الطبيب "إبراهيم ناجي"، ووضع ألحانها الموسيقار البروفيسور "رياض السنباطي"، والذي رحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم من سبتمبر عام ١٩٨١.  

هذه الأغنية التي كانت حديث الأوساط الفنية لأسباب عديدة، عندما غنتها "الست" لأول مرة عام ١٩٦٦، منها انقطاع التعاون بين "أم كلثوم" و"السنباطي" لبضع سنوات، وأنها خرجت للنور وسط مباريات غنائية فنية ممتعة بين العباقرة "عبد الوهاب"و"بليغ"و"الموجي"، يتسابقون فيها لتقديم "كوكب الشرق" بشكل غنائي حديث كلمةً ولحناً، يتناسب مع إيقاع العصر السريع، وتستخدم فيه الآلات الغربية التي بدأ انتشار سماع نغماتها في ذلك الحين بين أوساط الشباب.

إلا أن هناك مقطع في هذه الأغنية الرائعة، تفاعل معه عشاق فن سيدة الغناء العربي، وتعالت معه صيحات الجمهور بشكل مثير للدهشة، وزادت التصدية كلمّا رددته، وكثرت التساؤلات حول هذا التفاعل وطبيعته، تقول "أم كلثوم" في هذا المقطع :


أعطني حريتي أطلق يديَّ

إنني أعطيت ما استبقيت شيئاً 

آهِ من قيدِكَ أدْمَى مِعصَمي 

لِمَ أُبقيه وما أبقى عليَّ .


وذهب بعض النقاد والمفكرين إلى أن هذه الأبيات من القصيدة، قد تم اختيارها لتوجيه رسالة "سياسية" إلى الرئيس "جمال عبد الناصر" لإتاحة مساحات أوسع من حرية الرأي والتعبير، وفتح مجالات أرحب للحوار والنقاش، وكسر القيود والأغلال، وزيادة الإحساس بالثقة والإطمئنان بين المواطنين .

ورغم قوة الأغنية، وجزالة الألفاظ، وعمق المعاني والصور التعبيرية، واللحن الكلاسيكي السيمفوني الذي وضعه بإعجاز غير مسبوق "رياض السنباطي"، إلا أن جميع فئات الشعب المصري والعربي على اختلاف ثقافتها ومستوى تعليمها كانت تستمع وتطرب وتغني بالعربية الفصحى

هل رأى الحبُ سُكَارى مثلنا 

كمْ بَنينا من خيالٍ حولنا

هذا الفن الرائع الصادق، الذي بذل صانعوه كل الجهد والإخلاص والتفاني احتراماً واسعاداً لجماهيرهم ومحبيهم، وصل إلى عميق وجدان الناس وقلوبهم، وسيظل خالداً، سابقاً لزمانه وأوانه ، متخطياً حاجز الصوت والكلمة واللحن، معبراً عن ذلك بكلمات "إبراهيم ناجي ":


" وعَدَوْنا فسَبقنا ظِلنا ".