
في ذكراه.. هشام سليم: فارس الأداء الرصين الذي احترم الفن ورفض الصخب

هشام سليم.... من الطفولة أمام سيدة الشاشة العربية إلى وداعٍ بصمت النبلاء
فنان من طراز فريد، وصاحب الملامح الحنونة والصوت المتزن والأدوار الصادقة، أنه الفنان والإنسان هشام سليم، والذى يتزامن اليوم ذكرى رحيله، ليعود إسمه ليضيء مجددًا صفحات الفن الراقي، لا مجرد كنجمٍ عابر، بل كأيقونة للأداء الرصين والثقافة الهادئة التي لم تركن يومًا إلى الصخب، فلم يكن النجم هشام سليم مجرد ممثل، بل كان صوتًا مختلفًا في زمن التشابه، ونموذجًا لفنان احترف الصمت بقدر ما أتقن الحوار، ورغم سنواته التي لم تتجاوز 64 عامًا، ترك وراءه سيرة فنية وإنسانية تختصر معنى الالتزام والاتزان.
ولد الفنان الراحل هشام سليم عام 1958، ونشأ في بيتٍ يفيض فنًا وانضباطًا؛ فهو نجل أسطورة الكرة والفن النجم الراحل صالح سليم، وشقيقه المنتج خالد سليم زوج النجمة القديرة يسرا.
وبرغم أن الفنان هشام سليم درس في معهد السياحة والفنادق، إلا أن وجهته كانت محسومة منذ البداية، حيث دفعه شغفه بالفن إلى اقتحام المجال مبكرًا، وبأسلوب مختلف عن أبناء جيله.
البداية من القمة.. مع فاتن حمامة
بدأ النجم هشام سليم مشواره طفلًا، حين شارك في فيلم «إمبراطورية ميم» (1972) أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، مجسدًا دور الابن الأكبر الذي يختصر بدقة ملامح المراهق المصري في تلك الفترة. النجاح الساحق للفيلم فتح له بابًا واسعًا، فعاد للظهور مع حمامة في فيلم «أريد حلاً» (1975)، وهو عمل غير مسبوق غيّر قوانين الأحوال الشخصية في مصر، في سابقة تُحسب للفن.
الفن سلوك حياة وليس دورًا على الشاشة
كما شارك الفنان هشام سليم فى عام 1976، في ملحمة المخرج يوسف شاهين من خلال فيلم "عودة الابن الضال"، في تجربة اعتبرها كثيرون محطة فنية فارقة، حيث جمعته نخبة من كبار الفنانين الذين حققوا نجاحاً ملحوظاً من خلال هذا العمل، والذى أثبت "سليم" قدرته على التجسيد المعقد والانفعالات الصامتة.
الأداء.. فلسفة لا مجرد مهنة
فلم يكن الفنان الراحل هشام سليم ممثلًا اعتياديًا؛ بل كان صاحب "فلسفة أداء" تعتمد على الصدق قبل البراعة، وعلى الاحترام قبل الشهرة. رفض مرارًا استغلال الأضواء، وفضّل العيش في الظل على أن يكون نجمًا مزيفًا في بؤرة الصخب الإعلامي.
كما اشتهر "سليم" بثقافته الواسعة، وحرصه على اللغة العربية السليمة، حتى إنه كان يصحح نصوص الحوار بنفسه، ويرفض الألفاظ العامية التي تبتعد عن الذوق العام، وفي أحد لقاءاته التليفزيونية النادرة، أشار قائلاً: "أكره الأداء التمثيلي الذي يستخف بعقل الجمهور، فالكلمة أهم من الماكياج والموسيقى والديكور."
بصمة في كل ظهور
حافظ الفنان الراحل هشام سليم على حضوره المميز سواءً كان في دور بطولة أو دور ثانٍ، بل إن كثيرًا من مشاهده الجانبية تُدرّس اليوم في المعاهد الفنية كنماذج لمدرسة الأداء الطبيعي بعيدًا عن التكلف.
وقدم الفنان الراحل هشام سليم باقة من أهم الأعمال الدرامية التى ناقشت أهم القضايا التي تمس البيوت والحارة المصرية، وكان من أبرز هذه الأعمال مسلسل "ليالي الحلمية"، و"هوانم جاردن سيتي"، و"أماكن في القلب"، بينما كان ظهوره في السينما أكثر انتقائية وتميزا، لكن دائمًا بصوت ضميرٍ فني لا يقبل التنازل.
الوداع الصامت.. والنهاية الكريمة
كعادته، غادر هشام سليم الحياة بصمت، كما عاشها. لم يسعَ للشفقة، ولم يُحوّل مرضه إلى قصة درامية. اختفى تدريجيًا عن الأنظار، وحين أعلن الخبر، صُدم جمهوره وزملاؤه برحيل "الفارس النبيل" الذي ظل حتى اللحظة الأخيرة محتفظًا بكبريائه وأناقة روحه.
ففى يوم 22 سبتمبر لعام 2022م، وبعد معركة مع مرض سرطان الرئة، رحل الفنان هشام سليم عن عالمنا عن عمر يناهز الـــ 64 عاماً، تاركاً وراءه بصمة واضحة و إرثاً فنياً مميزاً فى السينما والتليفزيون والمسرح، مع أداء راقٍ وثقافة عالية.
#نقاش_دوت_نت