
حسن طلب: قصيدة لا تنتهي وحروف تتنفس فينا

من قلب أرض الكنانة، مهد المبدعين والعباقرة الذين أثروا كل مجالات الفكر والفنون، نواصل رحلتنا لاكتشاف وجوهها المضيئة ونجومها الساطعة، التي صنعت بالكلمة مسارات من نور، وشيدت بالإبداع جسورًا بين الحاضر والماضي، لا تنكسر، ولا تهزها العواصف.
في هذه المحطة، نقف إجلالًا واحترامًا أمام أحد أبرز الأسماء الشعرية والرموز الأكاديمية في مصرنا العفية الفتية، الشاعر الدكتور حسن طلب.
وُلد هذا الأديب الكبير في مدينة عريقة بصعيد مصر، تحمل عبق الحضارة والتراث وتشع بخصوصية ثقافية أثرت تجربته الإبداعية، ليكون شاعرا يجمع بين عمق الرؤية وروعة البيان، ويزاوج بين العمل الأكاديمي الرصين والإبداع الشعري الفريد.
صعد الشاعر الدكتور حسن طلب درجات السلم الأكاديمي بجدارةٍ حتى ارتقى إلى مصافّ أساتذة الأدب العربي في كلية الآداب بجامعة حلوان، حيث أرسى قواعد وقيم البحث والتحليل في نفوس طلابه وأشعل في عقولهم شعلةَ الإبداع والنقد. فكان – بحق – أستاذًا ومعلما يخلق أجيالًا من الأدباء والنقاد، تشربوا على يديه حب اللغة والبلاغة، وامتلكوا أدوات الغوص في أعماق النصوص.
ولم ينحسر حضور حسن طلب داخل أروقة الجامعة وجدرانها، بل امتدّ إلى قلب الحراك الثقافي العربي، فقد شغل موقعا محوريا كنائب رئيس تحرير مجلة "إبداع"، تلك المنصة الثقافية المرموقة التي شكّلت وجدانا أدبيا لأجيال.
كما اضطلع بدور مركزي– من خلال عضويته في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة – في توجيه مسار الحركة الأدبية وصياغة ملامح المشهد الأدبي المصري، فكان نموذجا نادرا للشاعر الرائد الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والأكاديمي الاستثنائي الذي يسهم في تشكيل وجدان الأجيال الشابة.
غدت دواوين حسن طلب، بما تتميز به من ثراء لغوي وعمق فكري، مراجع أدبية تُدرّس في الجامعات ويحتفى بها على مختلف المنصات. فشعره يحتفظ بإيقاع موسيقي عذب شجي يمنح النص روحا وحياة، وقصائده تتناول هموما إنسانية وقضايا فلسفية، مع تشبث واضح بتراب الوطن وجذور الهوية المصرية ووجدان الأمة العربية.
توجت مسيرة حسن طلب الإبداعية الخصبة في عام 2023 بالفوز بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في الشعر، وهي من أرفع الجوائز الأدبية في العالم العربي، تقديرًا لإسهاماته البارزة في إثراء القصيدة العربية وريادته في صياغة المشهد الشعري العربي المعاصر.
واليوم، وبعد رحلةٍ عطرةٍ حافلةٍ بالعطاء، لا يزال الدكتور حسن طلب شامخًا كالمنارةِ في دروبِ الإبداع والأدب، وشاهدا حيا على أن الشاعر الصادق لا يعرف التقاعد.
فهنيئًا للأدبِ العربي بهذا المفكر الذي لا يعترف بتقادم الزمن، والذي جعل من حياتِهِ قصيدةً لا تنتهي، ومن حروفه جسورا تمتد بين الأجيال، ومن إلهامه لوحة تسبح في آفاق الجمال.
في الأسبوع القادم بمشيئة الرحمن، سنلتقي بمبدع جديد من كنوز أرض الكنانة… فمن سيكون؟
"تابعونا في سلسلة "مبدعو أرض الكنانة