
حضور الجسد البشري الراقص في مواجهة المسرح الرقمي : رسالة دكتوراه تستشرف مستقبل الأداء

نوقشت اليوم بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب، جامعة عين شمس رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحثة نوران مهدي عبد العزيز، المدرس المساعد بالقسم، تحت عنوان: "جدلية حضور الأجساد الراقصة في عروض المسرح الرقمي". تتناول الرسالة قضية حضور الجسد الراقص في العروض المسرحية المعاصرة التي توظف الوسائط الرقمية بشكل مكثف، وتستكشف كيف أعادت هذه التقنيات تعريف مفهوم الحضور المسرحي والعلاقة بين المؤدي والمتلقي.
بدأت الباحثة رحلتها البحثية تحت إشراف الأستاذة الدكتورة منى صفوت، الرائدة في مجال الأداء المسرحي على ضوء العلوم العصبية، واستكمل الإشراف على الرسالة كل من الأستاذ الدكتور مصطفى رياض، أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة عين شمس، والأستاذة الدكتورة منال زكريا، أستاذ تصميم وإخراج الباليه بالمعهد العالي للباليه بأكاديمية الفنون.
وتشكلت لجنة المناقشة والحكم من: أ.د. مصطفى رياض (رئيسًا ومناقشًا)، و أ.د. نجلاء الحديدي، أستاذة الدراما بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة، وجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، ووكيلة الكلية (مناقشًا)، وأ.د. دينا أمين، أستاذة الأداء ومدير برنامج المسرح بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (مناقشًا)
ملخص المقدمة المنهجية
توضح المقدمة أن التقنيات الرقمية الحديثة أحدثت تحولًا جذريًا في الفن المسرحي، بخاصة في مجال الرقص؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يعرف بـ "المسرح الرقمي". تطرح الدراسة إشكالية مركزية حول مفهوم "الحضور" للأجساد الراقصة في ظل هيمنة الفضاء الرقمي، وتتساءل عما إذا كانت التقنيات الرقمية تعزز هذا الحض أم تهمشه. تهدف الدراسة إلى تحليل العلاقة بين حضور الجسد الراقص والحضور التقني، ودراسة كيفية تشكيل الفضاء الرقمي للحركة الراقصة. وتعتمد في تحليلها على إطار الأنثروبولوجيا السيبرانية (Cyber Anthropology) لفهم تأثير الوسائط الرقمية على التفاعل الإنساني والثقافة المحيطة.
ملخص الفصل الأول: الجسد بين التعبير الحُر والتطور التقني
يستعرض هذا الفصل التطور التاريخي لمفهوم الجسد الراقص، بدءًا من تحرره من القوالب الكلاسيكية الصارمة في فن الباليه إلى أنماط التعبير الحُر التي أسس لها رواد الرقص الحديث مثل إيزادورا دانكن ومارتا جراهام وبينا باوش. يناقش الفصل كيف تحول الجسد من مجرد أداة جمالية إلى وسيط للتعبير عن القضايا الاجتماعية والنفسية. بعد ذلك، يتناول الفصل العوامل الفكرية والثقافية التي أدت إلى "الثورة الرقمية"، وكيف أثرت هذه الثورة على كافة المجالات؛ الأمر الذي مهد الطريق لدمج التكنولوجيا في العروض الراقصة وتغيير النظرة إلى الجسد والفضاء المسرحي المحيط به.
ملخص الفصل الثاني: التقنيات الرقمية وتشكيل الفضاء المسرحي
يركز هذا الفصل على التقنيات الرقمية المحددة التي أعادت تشكيل الفضاء المسرحي ودورها في العروض الراقصة. يبدأ الفصل بتعريف "الفن الرقمي" ثم ينتقل إلى استعراض تقنيات متنوعة مثل الإسقاط الضوئي (Projection Mapping)، وتقنية الهولوجرام، والقرين الرقمي (Digital Double)، ومسرح الأداء عن بعد (Teleperformance)، وصولًا إلى الميتافيرس (Metaverse). ويقدم الفصل نماذج لأبرز المبدعين الذين وظفوا هذه التقنيات في أعمالهم، مثل جوزيف سفوبودا، وميرس كانينغهام، وميريت مُور، موضحًا كيف أسهموا في دمج الجسد البشري مع العوالم الرقمية والآلية.
ملخص الفصل الثالث: الأنثروبولوجيا الرقمية والتطبيقات المسرحية
يعتمد هذا الفصل على الإطار النظري للدراسة، وهو "الأنثروبولوجيا الرقمية"، لتحليل مجموعة من العروض المسرحية الراقصة. يوضح الفصل آليات هذا المجال التي تبحث في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا وتأثيرها على الهوية والسلوك. ثم يقدم تحليلًا لخمس تجارب تطبيقية:
• تجربة "Acqua Alta": يكشف كيف خلقت التجربة حضورًا مضاعفًا للجسد عبر دمج وسائط متعددة كالواقع المعزز والافتراضي مع الأداء الحي.
• تجربة الأداء السيبراني "Cyber Performance": توضح كيف أعاد العرض صياغة مفهوم الحضور والآنية في ظل العزلة (أثناء جائحة كورونا) عبر استخدام تطبيق زووم، ودمج التراث مع الوسيط الرقمي المعاصر.
• تجربة "الرقص في الميتافيرس": تحلل كيف قدم العرض مستويات متعددة من الحضور (المادي، الافتراضي، وعن بعد) من خلال القرائن الرقمية التي تفاعلت مع الراقصين البشريين.
• تجربة "العبد/السيد": تسلط الضوء على علاقة الصراع والهيمنة بين الإنسان والروبوت (الكوبوت)، وكيف كسر العرض التوقعات بجعل الإنسان هو الطرف المهيمن والخطير.
• تجربة "ثنائي رقص بين الإنسان والروبوت": تستعرض كيف أضفى العرض طابعًا إنسانيًا وشعوريًا على الروبوت، ليصبح شريكًا وصديقًا للراقص البشري؛ الأمر الذي يطرح رؤية جديدة للعلاقة بين الإنسانية والآلية.
تخلص الدراسة إلى أن الوسائط الرقمية، رغم كثافتها في بعض العروض، لم تلغِ المركزية البشرية للراقص، بل أسهمت في خلق حضور مضاعف ومفاهيم جديدة للحضور تتجاوز الارتباط المادي، كما كشفت عن صراع وتكامل بين الجسد البشري ونظيره الرقمي أو الروبوتي؛ الأمر الذي يفتح آفاقًا جديدة لفهم الأداء في العصر الرقمي.
أشرف على الرسالة أ.د. منى صفوت (رحمها الله)، وأ.د. مصطفى رياض، وأ.د. منال زكريا، قسم الدراما والنقد المسرحي، بكلية الآداب جامعة عين شمس