
كيف كان المتنبي يرى الصداقة ؟

في هذا الزمن الذي تزداد فيه الفردانية، وتقل فيه العشائر والمجموعات، تصبح الصداقة أمرًا ضروريًا لاستمرار العيش وإيجاد الدعم اللازم للمضي في الحياة، والمتنبي أحد أهم من دخل تلك المغامرة الفردية في تراثنا الأدبي، فلم يكن ابن عشيرة كبيرة أو محاطًا بأهلٍ وأسرة، بل عاش فردًا وواجه التحديات بمفرده، ويبدو أنه كان يعوّل في رحلته هذه على مفهوم الصداقة بكونها ( المنظومة الداعمة الوحيدة) في غرباته القاتلة، لذلك استدعاها في مواضعٍ كثيرةٍ في شعرهِ فهو يقول: "شرُّ البلاد بلادٌ لا صديقَ بها.. وشرُّ ما يكسبُ الإنسانُ ما يصمُ"، فالصديق/الخليل هو محل الأُنسِ وموضع الثقة ومستودع السر، ولا يمكن أن تكون صديقًا إن لم تكن كذلك: " وليس خليلي بالملولِ ولا الذي.. إذا غبت عنه باعني بخليلِ.. ولكن خليلي من يديم وصاله .. ويكتم سري عند كل دخيلِ"، ولا يُجزِعُ المتنبي فعل الأعداء أو تقلب الزمان لأن ذلك متوقع وهو مستعد له دائمًا لكن تغيّر حال الصديق هو أقسى ما يمكن حدوثه: "وَيَزيدُني غَضَبُ الأَعادي قَسوَةً.. وَيُلِمُّ بي عَتبُ الصَديقِ فَأَجزَعُ"، ولا يوجد أوجع من " خَون الصَديقِ وَدَسّ الغَدرِ في المَلَقِ"، وأوجع من ذلك كله أن تكون الصداقة اضطرارًا لعدوٍ متربص: "وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى.. عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ".
ولأن الصداقة حدث نادرٌ جدًا في حياة الإنسان، شبهَ الخيل الأصيلة بها، في بيت جعل الصداقة هي المشبه بهِ النادر، وهي كذلك فعلًا: " وما الخيلُ إلا كالصديق قليلةٌ.. وإن كثرت في عين من لا يُجرِّبُ".
وفي الختام أتذكر مقطع لبلال علاء في كتابه الشيّق (عم نتحدث عندما نتحدث عن الصداقة):
"الصداقة كالحب، تحدث أو لا تحدث. أقصى ما يمكن الوصول إليه بالعزيمة هو الرفقة الآمنة. تحيط نفسك بمجموعات تقدر على الحديث معها في أمور كثيرة، يصفيها مرور الزمن"
#نقاش_دوت_نت