من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

زراعة الضمير

إيهاب كامل
زراعة الضمير




تضطرنى الظروف أحيانا أن أحمل شنطة الخضار واتسوق للبيت، حتى تحول الأمر لعادة بعد ما صادقت "بتاع الطماطم والبطاطس والخضرة والجزار".

والغريب إنك تفتكر إنك رايح تجيب شوية خضار للبيت، لكن تلاقي نفسك راجع بتجربة تكشف لك عيب في السوق الأكبر.. سوق الضمير.

يبدو إن الفلسفة ليست في الكتب فقط، أحيانا تجدها فى جوال بطاطس .. منذ أيام مررت ببائع البطاطس، ووقفت بجوارى فتاة سألته عن السعر، فأعطاها رقما أغلى من غيره.

 فقالت: "ليه كده؟" فرد وكأنه يمنحها صدقة: "إنتي عارفة دي بتتباع بكام في السوق التاني؟ أغلى بكتير."

دخلت فى الحوار على غير العادة وقلت: "طيب البياع في السوق التاني حرامى ومعندوش ضمير، مش لازم تبقى زيه..هو فين المشكلة لما الواحد يكسب بالمعقول، متجزورش الناس؟، ولا لازم تخلّي البطاطس كأنها مستوردة من سويسرا؟".

نظر إلي بغيظ، وقال: "هو ده اللي عندي."

وقتها افتكرت شعبان عبدالرحيم وقولت فى نفسى: "هبطل البطاطس وأكون إنسان جديد".. وسبته ومشيت، لأنه واضح أن الضمير عنده بقى زي كارت الشحن.. بيخلص بسرعة.

الواقعة دي خلتني أحس إن الرحمة عند بعض التجار بقت رفاهية مش لازمة، وإن الجشع عندهم أرخص من كيس بلاستيك.

يرون أن البضاعة أفضل لها أن ترمي في الزبالة، على أن تباع بالرخيص.. المهم تتباع غالية وخلاص.

رجعت البيت من غير بطاطس.. مسكت الموبايل أقلب فيه، لحد ما لقيت قدامي تقرير عن التقدم المذهل في الطب.

الطب اتطور.. زرعوا قلب، كبد، كلى.. لدرجة إن في ناس دلوقتي أعضاؤهم كلها “توكيل” وعايشين زى الفل.

لكن لحد النهاردة، ولا دكتور أو مركز ابحاث عرف يزرع ضمير، واضح إن الأبحاث فعلا مازالت مستمرة.. بس في اتجاه تاني خالص.

وسرحت بخيالي: طب ما يمكن يبقى فيه يوم مستشفى مخصوص لزراعة الضمائر.

تدخل تلاقي طوابير:

تاجر بيطلب ضمير موسمي، يشتغل في شهر رمضان ويطلع إجازة طول السنة.

سياسي بيقول: "عايز ضمير نص عمر، يخليني أعمل شو إنساني وأرجع فى كلامى عادي."

وجارك اللي بيرمي الزبالة من البلكونة، داخل يسأل: “ممكن ضمير ع الماشي، يشتغل بس بعد ما ارمى الكيس؟”.

المشكلة مش في العملية نفسها.. دي سهلة.

المصيبة إن أول ما الضمير يبدأ يزنّ: إزيك؟ مش المفروض تعمل كذا؟”، تلاقي المريض قايم من السرير يقول: شيله يا دكتور بسرعة.. أنا مش عاوزه يرن على فى كل حته.

الضمير – يا سادة – هو العضو الوحيد اللي لا بيتباع في العتبة، ولا بيتسوّق أونلاين، ولا ليه نسخة صيني.

ويمكن ده أحسن.. عشان لو اتباع، أول واحد هيشتريه هو اللي ناقصه أصلا، وساعتها يعلّقه ديكور على الرف جنب الكريستالات.

قفلت الموبايل ولسه البطاطس ناقصة من الطبخة.. بس أهون من إن الضمير يفضل ناقص وساعتها قلت لنفسي: يمكن يكتشفوا علاج للضمير.. بس متأكد أول ما ينزل هيغلى زيه زي الطماطم.

#نقاش_دوت_نت