
الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي

غزة تغيّر مجرى العالم
يبدو أن تداعيات «طوفان الأقصى» والحرب على غزة لن تتوقف عند حدود فلسطين أو الشرق الأوسط، ولا عند العالمين العربي والإسلامي، بل ستسهم في إعادة تشكيل النظام الدولي بكل تفاصيله — إيجابًا وسلبًا — اليوم وغدًا.
سيُستثمر ما جرى، بأسبابه ونتائجه، لإعادة رسم الخرائط وتغيير السياسات والقناعات التي بدت راسخة حتى الآن؛ وبالتالي ستتبدل قواعد اللعبة في عالم يقف على أعتاب تحولات عميقة.
وحتى لو جرت التضحية بغزة، فإن الأطماع ستتفاقم كلما ازداد التنازل، وسيَسود الظلم والطغيان كلما تراجع العدل وانهارت القيم.
إننا مُقبِلون على تحولات لم تخطر على بال أحد، تحولات تجري من دوننا وعلى حسابنا.
يتتبع كتاب “الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي” مسار التغلغل الصهيوني في المنطقة منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، مرورًا بوثيقة كامبل عام 1907، واتفاقية سايكس–بيكو، ووعد بلفور 1917، وصولًا إلى اتفاقية أوسلو وصعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة.
يكشف المؤلف، أحمد منصور، كيف تحوّلت المؤامرات السياسية والاتفاقيات الدولية إلى أدوات فعالة لترسيخ الهيمنة الإسرائيلية، مسلطًا الضوء على الأدوار الحاسمة التي لعبتها كل من بريطانيا وفرنسا في دعم هذا المشروع. ويقدم تحليلاً مكثفًا للأبعاد الجغرافية والتجارية والعسكرية للاختراق، متتبعًا مراحله المختلفة التي أسهمت في إعادة تشكيل خريطة النفوذ في العالم العربي.
واحدة من أكبر أخطائنا عدم اهتمامنا عربيًا بالقدر الكافي بأخطر أعدائنا، وعدم تعلمنا أو معرفتنا العميقة بما يكفي عنهم. لم نمتلك مراكز أبحاث ودراسات متخصصة ومتعمقة في اليهودية والصهيونية، كما أننا لم نولِ اهتمامًا كافيًا باللغة العبرية، رغم قربها من العربية وسهولة تعلمها.
خطر الصهيونية أوسع مما يتصور البعض، ورؤيتهم أعمق وأبعد مما تدركه العين العربية. يكتفي العرب غالبًا بالنظر إلى المظاهر الخارجية فقط، ومن نتائج هذه الحرب، أصبح العالم أكثر وعيًا بالاحتلال، رغم حجم الوعي الضئيل.
يقول إدوارد سعيد: “لن تفهم ردود أفعال إسرائيل ما لم تفهم الهولوكوست”.
اليوم بدأ العرب يدركون معاني مثل “عماليق”، ورأى الكثيرون خريطة تجمع فلسطين والأردن على منبر سموتريتش خلال خطابه، كما تعرف البعض على إصرار بن غفير على الاستيطان. كل هذا ليس مجرد سياسة، بل جذوره دينية عميقة لم يفهمها العرب جيدًا.
في المقابل، لديهم مراكز أبحاث متخصصة في الإسلام والعربية، مرتبطة بوزارة الدفاع والجامعات والمدارس وحتى الأحزاب السياسية، وبعضها مستقل. لقد درسونا بعمق لسنوات طويلة وبشكل مكثف، ونجحوا في احتلال العديد من الدول فكريًا، وتقسيم العرب، وإبعادهم عن القضية الفلسطينية، وإشغالهم بقضايا ثانوية.