من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

في تفسير ما جري الليلة : ترامب وحماس ونتانياهو

عزت إبراهيم
في تفسير ما جري الليلة : ترامب وحماس ونتانياهو


المباراة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب 


ترامب يفضل الزعامة علي الانحياز المطلق لحليف تتأكل شعبيته  


تصعيد ترامب ضد حماس بمهلة تنتهي الأحد لم يكن مجرد ضغط عابر، بل إعلان عن نفسه كصاحب القرار الوحيد في مشهدٍ معقد. لم يعد يتحدث كطرف يراقب تفاوض الآخرين، بل كرئيس يفرض مسارا واضحا. هذا المسار يقول إما قبول الخطة أو مواجهة عسكرية لا سابقة لها. هذه اللغة النارية التي لجأ إليها في بياناته لم تكن موجهة للحركة فقط، بل أيضا لإسرائيل التي لطالما اتهمه خصومه داخل أمريكا بأنه يتركها تفعل ما تشاء. فإعطاء حماس مهلة واضحة يعني ضمنيا أنه كان يرسم خطا على الأرض لا يستطيع نتنياهو تجاوزه. في الداخل الأمريكي، صُوّرت هذه الخطوة باعتبارها دليلًا على أن ترامب لا يخضع لأحد، بل هو من يملي الشروط.

نشر ترامب نص بيان حماس قبل أن يصدر أي تعليق رسمي من البيت الأبيض كان حركة محسوبة. فهو يدرك أن السبق في الإعلام أهم من المداولات الداخلية. أراد أن يسجل لنفسه الإنجاز قبل أن يعلنه الآخرون والتفاخر بأنه "أجبرت حماس على التحرك.” هذا الأسلوب منحه زمام المبادرة، ووضعه في صورة الرجل الذي يكتب القصة وليس من ينتظر ما سيقوله الآخرون. عائلات الرهائن سارعت إلى التعبير عن الأمل والشكر، وهو ما غذى روايته بأن خطته ناجحة، بغض النظر عن الغموض الذي يكتنف موقف حماس. ثم يصعد ترامب بيانا يطلب وقفا فوريا للهجوم ع غزة. وهي أول مرة تطلب أمريكا من اسرائيل وقف إطلاق النار للتفاوض. 

لكن هذا السلوك لم يكن فقط معركة ضد حماس، بل أيضا ضد نتنياهو. فترامب، الذي أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي على الاعتذار لقطر بعد ضربة الدوحة، كان يرسل رسالة مفادها: “لا أحد يعلو على سقف البيت الأبيض.” ما حدث في الدوحة كان تجاوزا للخطوط، وترامب استثمره ليعيد فرض انضباط جديد على حليفه، وفي الوقت ذاته يرد على سردية تاكر كارلسون الذي وصفه بأنه تحت قبضة نتنياهو. هنا كان ترامب يضع النقاط على الحروف، فهو الذي يجبر نتنياهو على الاعتذار، لا العكس.

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، الذي وُصف بأنه “التفاوض بالقصف”، فتح الباب أمام تغيير ديناميكية كاملة. لم يعد نتنياهو قادراً على التصرف بمعزل عن الحسابات الأمريكية. ترامب استغل هذا ليعيد الإمساك بالمشهد، فارضا على إسرائيل أن تظهر بمظهر الخاضع في لحظة حاسمة. هذا التغيير أكسبه وزنًا جديدًا في أعين الوسطاء العرب الذين كانوا يرون واشنطن تترك إسرائيل تعيث كما تشاء. اليوم، مع اعتذار علني من نتنياهو، بدا ترامب وكأنه أعاد تعريف العلاقة.

قبول حماس المبدئي لإطلاق الرهائن وفر لترامب مادة مثالية للتسويق السياسي. فهو يملك الآن صورًا إنسانية يمكن أن يرفعها أمام الإعلام تشمل عناصر الصورة عائلات ممتنة لمبادرته، رهائن يعودون، ودموع تتحول إلى شعور بالانتصار. لكن هذه الخطوة وضعت نتنياهو في مأزق. إذا كانت القضية الإنسانية قد حُلت، فما الذي يبرر استمرار الحرب؟ ترامب سيضغط عليه بأن التبرير الأمني لم يعد مقنعًا. وهنا يضع إسرائيل بين خيارين: إما التماشي مع خطة أمريكية أو الظهور بمظهر المتعنت الذي يرفض السلام.

لغة ترامب “الفرصة الأخيرة” و”الجحيم سينفجر” كانت مصممة لتغلق الباب أمام أي تأويل. فهو لا يترك لحماس مجالًا للمراوغة، ولا يعطي الوسطاء فرصة لتأجيل. إما أن تنفذوا وإما أن تواجهوا الكارثة. هذه اللغة تُظهره في صورة القائد الحاسم الذي لا يعرف المهادنة. لكنها أيضًا تضع الوسطاء العرب في موقف حساس، فعليهم أن ينتزعوا تنازلات من حماس بسرعة، وإلا فإن ترامب سيحملهم ضمنيًا مسؤولية الفشل.

غير أن هذه الاستراتيجية قد تكون سيفا ذا حدين. فهي تعطي ترامب القدرة على القول بأنه نجح مهما كانت النتيجة، لكنها تضيق مساحة التفاوض وتجعل الاتفاق يبدو كأنه استسلام. ومع ذلك، يظل ترامب مهتما بالصور أكثر من النصوص، ويعرف أن الرأي العام الأمريكي سيرى في أي اتفاق إطلاق رهائن وانسحاب مرحلي إنجازًا.

خطاب تاكر كارلسون الذي اتهم نتنياهو بالهيمنة على ترامب كان صاعقًا في الداخل. فترامب لا يحتمل أن يُصوَّر بأنه ضعيف أمام أي زعيم أجنبي. ما فعله لاحقًا في الدوحة وفي تعامله مع نتنياهو كان ردا عمليا على هذه التهمة. أجبر نتنياهو على الاعتذار، وقيّد قدرته على تعديل بنود الخطة كما يشاء، وأظهر نفسه كرئيس يملي الشروط حتى على أقرب حلفائه. بهذا الرد، قدّم لجمهوره ما يناقض سردية كارلسون والتي تقول أن ترامب ليس التابع، بل هو من يسيطر.

في هذا السياق، جمع ترامب بين العصا والجزرة. مع حماس كان التهديد واضحا، ومع نتنياهو كان التقييد علي حركته محسوبا. فهو لم يتخل عن إسرائيل، لكنه وضعها في إطار انضباط أمريكي صارم. بذلك قدّم نفسه للعالم العربي كرئيس قادر على ضبط الحليف، وللداخل الأمريكي كرئيس مستقل عن أي نفوذ خارجي. هذا التوازن كان ضروريا لتجاوز تأثير هجوم كارلسون الإعلامي خاصة في أوساط اليمين . 

الضربة على الدوحة نفسها كشفت سوء تقدير إسرائيلي لمكانة قطر كوسيط. لكن بالنسبة لترامب، كانت هدية دبلوماسية. لقد حولها إلى لحظة لإعادة تعريف دور واشنطن. فهو لم يكن حريص علي تغطية تجاوزات إسرائيل، بل تدخل لحماية الوسطاء الذين تحتاجهم الولايات المتحدة لإنجاح الخطة. اعتذار نتنياهو أعاد الاعتبار لهذه الصياغة، ورسخ صورة ترامب كمن يملك القوة ليجبر الجميع على الانحناء.

من هنا، تصبح كل حركة من حماس فرصة لترامب لتثبيت روايته. قبولها المبدئي لإطلاق الرهائن، ولو بشروط غامضة، يُسوَّق له ترامب باعتباره منجزا مهما . أي تردد لاحق يُستخدم كذريعة لتبرير التصعيد. وهكذا يكون الرئيس قد وضع نفسه في موقع لا يخسر فيه. فإذا نجحت الخطة، فهو صانع السلام. وإذا فشلت، فاللوم على حماس أو على نتنياهو، بينما يحتفظ هو بصورة الرجل الذي أعطى الفرصة الأخيرة.

عائلات الرهائن في إسرائيل وخارجها منحت ترامب ما أراد. قدمت صور شكر ودموع أمل. هذه المشاهد أقوى من أي نص سياسي، وهي التي تمنحه ذخيرة انتخابية وإعلامية. في المقابل، باتت حماس في وضع صعب. فأي خطوة ناقصة ستبدو كخيانة للوعود. وهذا بالضبط ما يريده ترامب، أن يحاصر الحركة بخيارات خاسرة ويجعل أي قرار لها في صالحه.

التحدي الأكبر يبقى في بند نزع السلاح. حماس ترفض علنًا تسليم سلاحها، وترامب يعرف أن نتنياهو لن يتنازل عن هذه النقطة. لذلك لجأ إلى صياغة مخففة: “إخراج السلاح من الخدمة” بدل “الاستسلام الكامل”. هذا الأسلوب يسمح بإبقاء الباب مفتوحًا أمام حماس، ويمنح نتنياهو فرصة لبيع النتيجة لشعبه باعتبارها إنجازًا. في الحالتين، ترامب يبقى الضامن الذي يفرض اللغة على الطرفين.

مهلة الأحد نفسها تحولت إلى أداة سياسية. فهي تمنح ترامب إطارًا زمنيًا يستطيع أن يسوقه للإعلام: “انتظروا الأحد، كل شيء سيتضح.” إذا مضت حماس في الاتفاق، سيعلن النصر. وإذا لم تفعل، سيعود إلى خانة التهديد ويفوض إسرائيل بالتصعيد. في الحالتين، هو يمسك بزمام المبادرة ويحتكر السردية.

في نظر الوسطاء العرب، هذه المهلة زادت الضغط عليهم لكنها أعطتهم أيضًا فرصة. فإذا أقنعوا حماس بالقبول، سيحصدون مكاسب سياسية كبيرة مهمة لتحريك الموقف. وإذا فشلت حماس، فلن يتحملوا هم المسؤولية. يمكن القول ان ترامب صنع مشهدا حيث الجميع يتحرك في إيقاعه، وهو ما يريده تمامًا.

ارتباط كل هذا بخطاب بسياق ما ذكره المذيع الشهير تيك كارلسون الذي قدّم نتنياهو كمن يسيطر على البيت الأبيض. رد ترامب جاء عبر أحداث ملموس. فقد أجبر نتانياهو على الاعتذار، قيد تعديلاته على الخطة، وفرض مهلة قاسية على حماس. في النهاية، يخرج بصورة الرئيس الذي لا يتبع أحدا، بل يقود حتى أقرب الحلفاء.

..، ويظل الملف مفتوحا لتطورات متلاحقة 


المصادر 

الاعلانات الأخيرة من كل الأطراف 

تقارير وتحليلات نيويورك تايمز وواشنطن بوست ومجلة تايم


مصادر اخري


 • Reuters – Hamas agrees to parts of the Gaza peace proposal outlined by President Trump

 • CBS News – Hamas agrees to parts of Trump’s peace plan

 • The Times of Israel – Trump posts Hamas’s statement announcing its response

 • AP News – Trump orders Israel to stop bombing Gaza

 • Time / Politico – Trump warns Hamas “all hell will break out” if no deal

 • Israel National News – Tucker Carlson says Netanyahu controls Trump

 • Yahoo News – ‘It’s humiliating!’ Tucker Carlson rages over Netanyahu’s influence