من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

حسام الدين مصطفى: حارس خزائن المعاني الخفية ومهندس فضاء الترجمة "الحقيقية"

د. شيرين النوساني .. مدير مكتب الاتحاد العربي للثقافة في مصر
حسام الدين مصطفى: حارس خزائن المعاني الخفية ومهندس فضاء الترجمة




في عالمٍ تتنازعه اللغات، وتتشابك فيه الثقافات، يطل من أرض الكنانة الدكتور حسام الدين مصطفى كشاهدٍ على عبقرية الكلمة، وحارسٍ أمينٍ لأسرارها. ليس مجرد ناقلٍ للنصوص بين اللغات، بل هو الساحر الذي يحول الترجمة إلى فضاءٍ إبداعيٍّ تتنفس فيه المعاني بروحٍ جديدة، دون أن تفقد نبضها الأصيل.


وإلى جانب عطائه الإبداعي، يتولى الدكتور حسام الدين مصطفى قيادة عدد من الكيانات الثقافية واللغوية المرموقة؛ فهو رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين، ورئيس المدرسة العربية للترجمة، ومؤسس المجلس التأسيسي للرابطة المصرية للمترجمين بالمركز القومي للترجمة، وعضو في هيئات دولية مرموقة، بينها المجلس الدولي للغة العربية وشعبة الترجمة باتحاد كتاب مصر.


يمارس هذا المترجم الفذ فنه بوصفه قائدًا لركبٍ لغويٍّ يعبر من شاطئ اللغة الأم إلى الضفاف البعيدة، حاملاً في يده مصباحَ المترجم الحقيقي: ذلك الذي لا يكتفي بنقل الحروف، بل ينفخ في النص روحًا تحفظ بهاء الأصل وتمنحه سحر الانتماء إلى لغةٍ جديدة. إنه يكتب النصّ مرتين: مرةً بصياغة المؤلف، ومرةً أخرى بصوته هو، في عمليةٍ إبداعيةٍ تمزج بين حسّ الفنان ودقة العالم.


على مدى ثلاثين عامًا، أثبت الدكتور حسام الدين مصطفى أن الترجمة فنٌّ قائمٌ بذاته، يحتاج إلى عين اللغوي، وعقل الباحث، وقلب الشاعر. ففي كل نصٍّ يترجمه، يترك بصمته التي تجمع بين أمانة العالم ورشاقة الأديب، وكأنه يعلن أن الترجمة "الحقيقية" هي تلك التي تصنع من النص الأصليّ نصًا موازيًا، يحيا في اللغة الجديدة كما عاش في لغته الأمّ، بكل ما فيه من نبضٍ وجمال.

يجيد هذا الحكيم اللغوي خمس لغاتٍ حيّة، يتنقل بينها كأنه يسكن عالماً موازياً، حيث تتحول الكلمات إلى جسورٍ من نورٍ تصل بين الحضارات. وفي كلّ ترجمةٍ يقدمها، يذكّرنا بأن المترجم الحقيقي هو الفنان الذي يقرأ ما بين السطور، وينقل الظلال والهمسات التي تبعث الحياة في النص.

يقول في إحدى حكمه: "السياق هو المفتاح الذي يفتح خزائن المعاني المخفية في الكلمات"، جاعلاً منها خلاصة فلسفته التي تحوّل الترجمة إلى عمل إنساني قبل أن تكون مهنة. ولهذا يرفض أن تكون الترجمة مجرّد نقلٍ آلي، ويصرّ على أنها "تحتاج إلى بصر العين، وإبصار العقل، وبصيرة القلب"، في إشارةٍ إلى الرؤية الشاملة التي تمنح النص المترجم استقلاله الإبداعي.

في النهاية، يبقى الدكتور حسام الدين مصطفى مبدعا استثنائيا وشاهدًا على أن الترجمة ليست مهنة فحسب، بل رسالةٌ إنسانية سامية، تحملها يدٌ تدرك أن الترجمة فنّ، والكلمات جسور بين العوالم، والكلمة المترجمة بأمانة قادرة على صنع عالمٍ موازٍ، حيث تلتقي الحضارات وتتجاوز الحدود، لتذكّرنا بأننا – مهما اختلفت ألسنتنا – ننتمي إلى إنسانيةٍ واحدة.


#نقاش_دوت_نت