من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

شريف عبد الوهاب، مايسترو الأثير ونبض المشهد الإذاعي

د. شيرين النوساني مدير مكتب الاتحاد العربي للثقافة في مصر
 شريف عبد الوهاب، مايسترو الأثير ونبض المشهد الإذاعي





للإذاعة سحر قديم لا يبلى، متجدد لا يخفى، فهي الصديقة التي تدخل البيوت دون استئذان، وتحمل في أثيرها نبضا لا يزول. هي ذاكرة وطن تتحدث، ورفيقة درب لأجيال لا تخون، ووردة تتفتح كل صباح بصوتٍ يعرف لغة القلوب.

 ومن بين الأصوات التي حُفرت في ذاكرة المستمعين، يجيء صوت الإعلامي الكبير شريف عبد الوهاب، ليظل شاهدا على قيمة الإذاعة حين تتجلى في أبهى صورها.  

وُلد شريف في حي الحلمية العريق، في بيت زاخر بالقيم المصرية الأصيلة، فشب وفي قلبه حلم لا يهدأ. من هناك بدأ مساره نحو الميكروفون، حيث التحق بـ "صوت العرب"، الصوت الذي حمل أحلام الوطن وأصداءه. ومنذ إطلالته الأولى، كان واضحا أن في نبرته هدوءا آسرا، وفي حضوره صدقا يجعل المستمع يشعر أنه أمام رفيق، لا مذيع فحسب.  

تدرج في مواقع عدة، فكان مديرا لإدارة المنوعات، ثم البرامج الخاصة، ثم شبكة الصوت الثقافي، حيث أثبت للجميع أن الإذاعة ليست مجرد منصب، بل هي رسالة ومسؤولية. وفي كل محطة من هذه المحطات، ترك أثرا لا تخطئه أذن السامع.  

قدم شريف خلال مسيرته برامج كثيرة، لكن يبقى لبرنامجه «ودائمًا للحديث بقية» مذاق خاص، إذ فتح فيه أبواب الحوار على مصراعيها أمام شخصيات من مختلف حقول الثقافة والفكر والإعلام، وناقش قضايا معاصرة بروح عميقة ورصينة، دون أن يفقد بساطة الطرح وقربه من وجدان المستمع. كان دائما حريصا على أن تظل الكلمة جسرا يربط بين المعرفة والقلب.  

ولأن المبدع لا يعرف حدودا لصوته، فقد امتد به الإبداع إلى الكتابة الدرامية، فجسد عوالم قصصية وصاغ من خلالها شخصيات وحكايات بقدر ما كان يصوغ صوته على الأثير. ولم يكتف بذلك، بل حمل قلمه إلى فن الكاريكاتير، ذاك الفن الصامت الذي يقول بالكثير دون كلام. وفي كل هذه الأوجه، كان يبحث عن شكل تعبيري جديد، عن وسيلة تضيء زاوية أخرى من الوجود والإدراك.  

ولكونه عاشقا للإذاعة، لم يكتف بالحاضر، بل فكر في المستقبل وكانت لرؤيته بعد فريد، فكان من أوائل المنادين برقمنة الأرشيف الإذاعي، ليحفظ ذاكرة مصر ويصون كنوزها الصوتية من الضياع، وليمنح الأجيال القادمة فرصة الإصغاء إلى ما صنع تاريخهم الثقافي والفني.  

إن الحديث عن شريف عبد الوهاب هو استحضار لإرث إعلامي فريد وحديث عن صوت مثقف ورؤية عميقة، عن إعلامي اختار أن يكون الصوت معنى، وحول المعنى إلى نبض. في صوته يسكن شيء من الدفء يلامس شغاف الروح، وفي مسيرته تتجلى صورة المبدع الذي لم يتوقف عند حد واحد، بل مضى في كل اتجاه وسار حيثما قادته الموهبة المتوهجة.  

إنه بلا شك أحد فرسان الكلمة في أرض الكنانة، وهو دليل حي على أن الإذاعة المصرية لا تزال نبعا متجددا ينبض بالإبداع، وأن الميكروفون حين يلتقي بصدق الموهبة يصبح وسيلة استثنائية للتواصل العميق وجسرا لا ينقطع بين القلوب.