من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الصدفة الكونية

يوسف البناي .. فيزيائي وكاتب كويتي
الصدفة الكونية




‏تخيل أنك قد قابلت صديقاً قديماً اسمه خالد، وحييته وقلت له أهلاً يا خالد لقد تغيرت قليلاً! كيف حالك؟ ولكن خذ هذه الحقيقة المرعبة عن خالد: 

هذا الشخص الذي يقف أمامك الآن والذي يشيه خالد ويتحدث مثل خالد واسمه خالد، هو من "الناحية المادية البحتة" شخص آخر حرفياً عن آخر مرة رأيته فيها! فهذا الخالد المصنوع ١٠ مليار خلية، قد هُدمت كل خلاياه ودهونه وبروتيناته وأحماضه الأمينية في دمه وجلده وعظامه ودماغه وكل شيء آخر فيه، وحلت محلها أخرى! وطالما وعي خالد يرتبط بالحالة المادية لخالد، فربما قد تلاحظ بأنه صار يتكلم بطريقة مختلفة وتغيرت طباعه كثيراً. كلنا أنا وأنت وخالد حرفياً بعد فترة من الزمن نكون أشخاص آخرين مختلفين تماماً، أما شخوصنا القديمة فقد ماتت وانتهى أمرها منذ زمن!

في المرة القادمة عندما تمر بجوار مبنى قديم لك فيه ذكريات عزيزة ولكن تم هدمه وبناء مبنى جديد مكانه، تذكر بأن كل من كنت تعرفهم في حياتك قد تم هدمهم وبناء أشخاص آخرين مكانهم مثل هذا المبنى العزيز عليك! 

‏لا ينضج الإنسان إلا في اليوم الذي يُدرك فيه تمام الإدراك بأن وجوده ووجود العائلة التي وُلد فيها والمجتمع الذي نشأ فيه والقارة التي يقيم بها لم تكن سوى "صُدفة"! ليس هناك قصة مميزة في مسار حياتك، فمن وجهة نظر كونية حياة الإنسان ليست أكثر أهمية من حياة المحار! في النهاية الاثنان مصنوعين من خلايا! 

في هذا اليوم الذي تفهم فيه هذه "الصدفة الكونية" بوضوح ستثور على الحياة وتخلق معنى عميق لوجودك يتجاوز ما لقنوك إياه وأنت صغير. بالضبط مثلما عبر ألبير كامو في مقاله الشهير (أسطورة سيزيف):

"في عالم من دون حقائق مطلقة أو قيم خالدة، لن يدفعك ذلك للشعور بالعبث، بل إلى الثورة على نفسك."

هذه أكبر حقيقة عرفتها في حياتي جعلتني متسامحاً مع نفسي ومع كل الناس بمختلف طباعهم وشخوصهم وماضيهم ومستقبلهم.

#نقاش_دوت_نت