من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

حكومة مدبولي: آخر الكروت المحروقة قبل البديل

عصام لا لا
 حكومة مدبولي: آخر الكروت المحروقة قبل البديل


 تبدو مصر اليوم وكأنها في المرحلة الأخيرة من دورة استهلاك الوجوه السياسية، لا السياسات. 

 فالتغيير في المشهد العام — سواء داخل المجالس النيابية أو في الحكومة المرتقبة — لم يعد يعكس تحوّلًا في الفكر أو التوجهات، بل مجرد تبديلٍ للوجوه بعد أن تُستنزف إلى آخر قطرة من رصيدها الشعبي والسياسي، ليُستبدل بها وجوه جديدة «خالية من السوابق السلبية» ولكنها محكومة بنفس النهج والقيود القديمة.

 على مدار نحو ثماني سنوات، قادت حكومة مدبولي البلاد في واحدة من أصعب الفترات الاقتصادية والاجتماعية. ارتفع خلالها سعر الدولار إلى 50 جنيهًا، وقفز سعر البنزين إلى 20 جنيهًا، وهي مؤشرات كفيلة بتلخيص ما آلت إليه الحياة المعيشية والاقتصادية في مصر من ضيق وتراجع.

 ورغم ضخامة التحديات، فإن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الأسماء بقدر ما تكمن في غياب الإرادة والتفويض للإصلاح الحقيقي. فكل من سيتولى المسؤولية بعد مدبولي — سواء كان وزيرًا حاليًا أو سابقًا، أو رئيس جهاز من أجهزة الدولة — سيجد نفسه مكبلًا بسياساتٍ وقراراتٍ تم ترسيخها على مدى أكثر من عقد دون دراساتٍ كافية أو مراجعاتٍ جادة، ليغدو أقصى ما يمكنه فعله هو إدارة «الملف اليومي» لا تغييره.

 ومن المرجح أن يأتي رئيس الحكومة القادم وفق النهج التقليدي المعتاد: شخصية من داخل المنظومة، تُجيد الانسجام مع الخط العام للدولة دون خلافٍ أو جدال، وتُكافأ بثقة القيادة تقديرًا لولائها وانضباطها أكثر من كفاءتها أو قدرتها على صنع الفارق. وبذلك تتحول رئاسة الحكومة إلى مكتب سكرتاريةٍ موسّع لإدارة الشؤون التنفيذية لا لوضع السياسات أو قيادة الإصلاح.

 في المقابل، يظل الأمل ضعيفًا — وربما معدومًا — في أن تشهد البلاد تشكيل حكومة كفاءات حقيقية، يقودها رئيس حكومة يمتلك رؤية إصلاحية شجاعة، قادرة على الغوص في جذور الأزمة الاقتصادية المصرية، وإحداث انعطافة حقيقية في السياسات القائمة.

 لقد جرّبنا الطريق الأول للإصلاح، أي الثورات، فكان الثمن باهظًا والعائد محدودًا. أما الطريق الثالث — طريق التحديث والإصلاح المؤسسي القائم على الكفاءة والمعايير العلمية وتمكين الخبرات المدنية — فلا يبدو أنه مطروح على الطاولة، أو على الأقل لا توجد إرادة سياسية للسير فيه طوعًا.

 ولا يبقى أمامنا للأسف إلا الطريق الثاني، وهو استمرار الهيمنة الأمنية على تفاصيل الحياة المدنية، السياسية والاقتصادية، في ظل غياب البدائل الحقيقية، لتبقى البلاد عالقة في حلقة مفرغة مهما تبدلت الوجوه وتغيّرت العناوين.

#نقاش_دوت_نت