من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

دار المعارف تصدر " حديث السندباد القديم " للدكتور حسين فوزي

القاهرة : د. مصطفى رياض
دار المعارف تصدر


صدر حديثا عن دار المعارف: كتاب «حديث السندباد القديم» للراحل الدكتور حسين فوزي (١٩٠٠-١٩٨٨)

يمثل هذا الكتاب اكتشافًا حقيقيا لوجه آخر من وجوه حسين فوزي المتعددة؛ وجه الباحث المطلع الموسوعي؛ وجه الأديب المطبوع على الكتابة بسلاسة وعمق وجمال؛ عبارته ناعمة رقيقة، وجملته جزلة فخيمة.

«حديث السندباد القديم» الذي صدر للمرة الأولى عام (1943) يعالج تاريخ المحيط الهندي كما عرفه البحريون العرب، فيما بين القرنين التاسع والرابع عشر؛ أي في المرحلة السابقة على عصر الاكتشافات الكبرى، وقد نجح حسين فوزي في هذا الكتاب في أن يعبر عن تصوراته للتاريخ الحضاري لأمته من خلال إعادة تمثل رحلات السندباد البحري وما تضمنته قصص (ألف ليلة وليلة) وكتاب (عجائب الهند) المنسوب إلى بزُرْك بن شهريار الناخذاه الرامهرمزي.

كنت في ذلك الوقت متشبعا حتى النخاع بشغف القراءة عن (ألف ليلة وليلة) ليس باعتبارها قصصًا وحكاياتٍ تحولت إلى حلقات إذاعية مثيرة للخيال على يد المرحوم طاهر أبو فاشا، بل باعتبارها كنزا سرديًّا وإنسانيًّا ومعرفيًّا وحضاريًّا اكتشفت قيمته وأهميته على يد أساتذتنا الكبار في مصر والعالم العربي؛ وعلى رأسهم طبعًا أستاذة الأجيال سهير القلماوي بدراستها الرائدة «ألف ليلة وليلة».

تقريبًا كنت قرأت كل ما كُتب بالعربية عن هذا المنجم الحكائي السردي؛ لكنني لم أقرأ نصًا عن (ألف ليلة وليلة)، ولا عن حكاياته ومضامينه وإشاراته التاريخية والأسطورية، بعذوبة وجمال وروعة «حديث السندباد القديم».

أنت تقرأ قصيدة عذبة رائعة لا تملك بعد قراءة مقطع منها إلا أن تصيح منتشيا "الله.. الله". هذه كتابة جميلة غاية في الجمال؛ لا تسعى إلى أكثر من تصوير وتسجيل أثر (ألف ليلة وليلة) في نفس قارئها حسين فوزي؛ وكذلك تتبع الأثر ذاته للحكايات والأساطير والقصص التي ارتبطت بالبحار والارتحال بين الجزر والموانئ (الواقعي منها والخيالي) في نصوص الأدب العربي.

يقول الناقد الكبير صبري حافظ عن «حديث السندباد القديم»: "استطاع حسين فوزي أن يتعامل مع كنوز الكتب والموسوعات العربية الكبيرة بأسلوب عالم الآثار الذي ينقب في طبقات الوعي المعرفي ليكشف لنا عن أركيولوجيا العقل العربي في تعاملها مع العالم الخارجي جغرافيًّا وإحيائيًّا، من ناحية، ومن أركيولوجيا الخيال العربي في إحالتها كل تلك المكتسبات المعرفية والإنجازات الإبداعية إلى عمل أدبي عظيم من ناحية أخرى، فليس كتابه دراسة جافة لهذه الكتب الزاخرة بالمعارف، إنما هو عمل علمي أقرب ما يكون إلى الإبداع الخلّاق الذي يعيد فيه تأسيس مفردات الأسطورة العربية على أساس معرفي راسخ".

لقد كان «حديث السندباد القديم»، كما وصفه بصدق المرحوم فؤاد دوارة في حواره الشهير مع مؤلفه "رحلة خيالية في الزمان والمكان، يعود بخياله إلى المحيط الهندي لا كما عرفه منذ عشر سنوات، بل كما عرفه البحارة العرب قبل عصر الاكتشافات البحرية الكبرى التي بدأت بوصول "بارتولوميو دياز" إلى رأس الأعاصير والطريق الحيوي من القارة الأفريقية، ثم اقتحام فاسكو داجاما بحر الهند ويباشر بدورانه حول رأس الرجاء الصالح، أتبعت برحلة كولومبوس إلى العالم الجديد، وهو يحسب أنه يسلك طريقا غريبا إلى الهند وبلاد الذهب، ويقال إن "شهاب الدين بن ماجد النجدي" كان دليل فاسكوداجاما في رحلته من ماليندي على الشاطئ الشرقي للقارة الأفريقية إلى فليفوط على الشاطئ الغربي لشبه جزيرة الهندية".

رحم الله حسين فوزي.. وكل الكبار الذين قدموا إبداعات أصيلة وحقيقية تستحق البقاء والخلود..


#نقاش_دوت_نت