
القسم الذى فضح الموقف : منصة الشورى.... أم مسرح الولاء

في أولى جلسات مجلس الشيوخ، كان من المفترض أن تكون لحظة أداء القسم لحظة تليق بمؤسسة يُنتظر منها أن تكون بيت الخبرة والعقل والرشد، لكن المفاجأة أن عدداً من الأعضاء الجدد لم يتمكنوا من قراءة نص القسم المكتوب أمامهم! مشهد لم يكن مجرد زلة عابرة، بل رسالة رمزية فاضحة عن اختلال معايير الاختيار، وتراجع الهيبة المؤسسية في أول اختبار حقيقي أمام الرأي العام.
فالقسم في أي مؤسسة وطنية ليس إجراءً بروتوكوليًا، بل عقد شرف بين المسؤول ووطنه، فهو لحظة صدق يعلن فيها الشخص التزامه بخدمة الدولة بإخلاصه وتفانيه لها، واحترام الدستور والقانون، وحين يتحول هذا القسم إلى كلمات ثقيلة لا يستطيع بعضهم قراءتها، فالمشكلة ليست في الحروف، بل في القيم التي غابت عن معادلة الاختيار.
لذا فإن مجلس الشيوخ خُلق ليكون منصة للرأي والخبرة والتشاور، لا ساحة للمجاملات أو توزيع المقاعد على المحسوبين، فالمجلس الذي يفترض أن "يشاور على الطريق الصحيح"، أصبح - للأسف - انعكاسًا لمسار من اختيارات خاطئة، تُدار فيه المقاعد بمعادلات المال والنفوذ والقرابة، لا بمعايير الكفاءة والعلم والخبرة.
وحين يتحول الكرسي إلى مكافأة على الولاء، لا نتيجة للجدارة، يصبح من الطبيعي أن نرى من يتعثر في القسم، هو ذاته من يُستأمن على التشريع والرأي والقرار.
فما حدث تحت قبة المجلس ليس مجرد سقطة فردية، بل انعكاس لأزمة أكبر تعيشها مؤسسات الدولة في آلية الاختيار والتعيين، ونحن أمام حالة تغيب فيها الكفاءة، ويُستبعد فيها أصحاب العقول الحقيقية لصالح أهل النفوذ والقرابة، فالأمم لا تنهار فجأة، لكنها تذوب ببطء حين تُستبدل الخبرة بالمجاملة، والعقل بالصوت العالي، والولاء للوطن بولاء الأشخاص.
عندما يُؤدى القسم بلا وعي وانتباه ، تتحول الكلمات إلى مجرد أداء شكلي خالٍ من الإيمان والمسؤولية، وحينها أيضاً لا يُبنى مستقبل، ولا تُصنع قرارات، ولا أحد يُحاسب، حيث تصبح المؤسسات بلا روح، والقرارات بلا فكر، والمناصب بلا جدارة، إنه سقوط في أول اختبار للدولة… اختبار المعنى والمسؤولية.
مجلس بلا بوصلة، وشيوخ بلا شورى، ووجوه بلا فكر وحين تُشترى المقاعد بالمال لا بالكفاءة، ويُمنح المنصب بالمحسوبية لا بالمسؤولية، يصبح القسم أثقل من أن يُقال، لأنه لم يخرج من قلب مؤمن بما يقوله.
#نقاش_دوت_نت