
قصة صعود جوزيه مورينيو من الترجمة إلى مدرب عالمي

من الترجمة إلى المجد: الحكاية التي لم تُروَ عن جوزيه مورينيو
هل تعلم أن “السبيشل وان” — جوزيه مورينيو — بدأ رحلته في كرة القدم كمترجم؟
قد تبدو الجملة مفاجِئة، وربما يصعب تصديقها لمن يرى الرجل اليوم يتحدث بثقة الملوك في المؤتمرات الصحفية، لكن الحقيقة أن مورينيو لم يولد في مقاعد المدربين ولا في أضواء الملاعب… بل في ظلال الكلمات.
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، حين كان المدرب الإنجليزي بوبي روبسون يشرف على فريق سبورتينغ لشبونة البرتغالي، احتاج مترجمًا ينقل أفكاره وتعليماته إلى اللاعبين المحليين. لم يكن أحد يتخيل أن هذا الشاب الهادئ، صاحب العيون الحادة والنظرات الدقيقة، سيصبح يومًا أحد أعظم العقول في تاريخ كرة القدم.
كان اسمه جوزيه مورينيو، خريج دراسات التربية الرياضية، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ويملك شغفًا كرويًا لا يُوصف.
لم يكن دوره مجرد ترجمة لغوية، بل ترجمة فكر كروي.
فمورينيو لم يكتفِ بنقل الجمل، بل كان يعيشها، يفسّرها، ويضيف إليها من فهمه للّعبة. كان يتابع كل تفصيلة في التمارين، يدون الملاحظات، يقرأ المنافسين، ويقترح على روبسون تعديلات في التكتيك.
وسرعان ما لاحظ روبسون أن مترجمه الشاب يرى ما لا يراه الآخرون. كان يُدرك كيف تتحرك خطوط الفريق، وكيف يمكن أن تتحول الكلمة إلى خطة، والترجمة إلى فوز.
وعندما انتقل روبسون إلى نادي بورتو، ثم لاحقًا إلى برشلونة، لم يتردد في اصطحاب مورينيو معه. في إسبانيا، أصبح المترجم البرتغالي جزءًا من الجهاز الفني، يجلس إلى جوار المدربين الكبار، يناقشهم في الخطط، ويرسم معهم ملامح الفريق.
هناك، في كواليس “كامب نو”، اكتسب مورينيو خبرة لا تُقدّر بثمن، عمل مع أسماء مثل لويس فان خال، وتعلّم كيف تُدار الفرق الكبرى وكيف تُبنى الشخصيات القيادية.
ثم جاءت اللحظة التي قرّر فيها أن يخط اسمه بيده.
عاد إلى البرتغال ليقود بنفيكا لفترة قصيرة، ثم تسلّم قيادة بورتو عام 2002، وهناك كتب الفصل الأهم في الأسطورة: بطل الدوري، بطل أوروبا، وميلاد “السبيشل وان”.
ومنذ تلك اللحظة، لم يعد أحد يراه كمترجم، بل كمفسّرٍ من نوع آخر… مفسّرٍ للعب، للّغة التي لا تحتاج إلى كلمات.
تأمل المفارقة الجميلة:
المترجم الذي وُظّف ليجعل الآخرين يفهمون، صار هو من يُفهم العالمَ كيف تُلعب كرة القدم.
رجلٌ حوّل مهارة الترجمة إلى فلسفة في القيادة، والإصغاء إلى علمٍ في التواصل، والتواضع إلى وسيلةٍ للهيمنة.
مورينيو هو الدليل الحيّ على أن الترجمة ليست مهنة ظلّ، بل بوابة نحو الفكر، والفكر طريق نحو المجد.
من الكلمات إلى الألقاب، ومن الترجمة إلى التاريخ…
هكذا يُكتب مجد من يعرف أن اللغة، في نهاية المطاف، ليست سوى تكتيكٍ للحياة.