
الرئيس التونسي يواجه جيل z بأشعار جرير والفرزدق

متابعة رئيس الجمهورية لما يجري في قابس من إضراب عام شامل وخروج أكثر من مائة الف متظاهر للاحتجاج السلمي على اكثر من مائة ألف طن من المواد الملوثة الخطرة في محيطهم (عبر وسائل التواصل الاجتماعي في غياب تغطية جدية لأغلب وسائل الإعلام الورقي والإذاعي والتلفزيوني والترذيل الممنهج لمرانكة السفسطة والتفاهة والهذيان) أمر جيد.. ولكن أفسده بمواصلة الحديث عن الخونة والعملاء لوصف الحراك السلمي البيئي والاجتماعي والحقوقي والشعبي، والذي مثل حدثا تاريخي غير مسبوق في تاريخ النظام البيئي الوطني والإفريقي والعربي والمتوسطي والعالمي تابعتها انظار العالم باستثناء وسائل الإعلام الخاضعة..
وأخطأ من اقنع رئيس الجمهورية بأنه ينافس شعبية المظاهرة الحاشدة لأهالينا في قابس بوضع صور ضخمة على جانبيه في مكتبة تظهره مع أبناء الشعب، ولكن بصورة تقزمه وتجعله محاطا بالصور الجامدة الثابتة في لحظة متوقفة بينما الشعب يتحرك والتاريخ يتحرك، وكأنه يعيش في عالم بما يسمى بالفرنسية الأشياء "الوثنيات" أو "النعويذات" (objets fétichistes)..
كما أنه صور عبارة لأشخاص عابرين لا يمكن ان تغطي خريطة البلاد الثابتة الأزلية.. بالإضافة لما في ذلك من خلط في الأذواق والألوان ومن قلة ذوق غير مسموح به في مثل هذا المستوى من تمثيل الدولة والبلاد وهويتها البصرية وذوقها الجمعي..
كما أفسد رئيس الجمهورية دردشته الخطابية في حضرة ديكور رئيسة حكومة الرئيس السادسة والرابعة للتدابير الاستثنائية التي تم إحضارها في ساعات الفجر الأولى بعد الساعة الخامسة والعشرين بعد غياب طويل، بالتجهم على جيل الشباب زاد والتهكم عليهم وهم عماد المستقبل، واستعمال "نكتة بائخة" فرنسية بتحريف حرف زاد/زاي وهي من السوقية الفرنسية (Z) إلى كلمة زوت (Zut) وهي تحمل معاني التهكم والسخرية..
كما أفسد رئيس الجمهورية دردشته بالاتكاء على قرار حكومي سابق يعود لسنة سبعة عشر وألفين!!! وهو قرار كان يهدف حينها فيما كان يهدف لخصخصة المركب الكيميائي!!! بله مرور ثمانية سنوات على اتخاذه دون ان تقوم الحكومات المتعاقبة السبعة بتنفيذه، ومنها ستة تحت إمرته المباشرة في ظل حكومات الرئيس ومن بينها اربعة تحت سيطرته المطلقة تحت سلطان التدابير الاستثنائية التوسعية!!! وتكون نسبة تحمله المسؤولية المباشرة في عدم تفعيل ذلكم القرار ستة أسباع (6/7)!!!
ثم كيف لرئيس الجمهورية الذي بنى سرديته على عدم العودة إلى الوراء أن يعود إلى الوراء (!!)، إلى قرار اتخذته حكومة يوسف المشاهد التي يكاد يجمع كيف كبير من التونسيين على انها تفيد حكومة في تاريخ عشرية الانتقال الديمقراطي ومن تفيد الحكومات في تاريخ تونس حسب "عدد غير قليل" من النساء الذين يقومون اليوم حول تنسيقيات الموالاة؟؟؟
والخطأ الأكبر هو الإحالة في هذه الدردشة الخطابية هو تخوين الحراك الاجتماعي والدعوة الصريحة لتصفية المحتجين الذبن يعتبرهم خونة، بالاستحضار غير الموقف وفي غير محله للقائد المقاومة المجاهد الشهيد الدغباجي رحمه الله..
والأخطر من ذلك كله استعمال مصطلحات سقي السموم وجذع/قطع الأنوف في علاقة بالمحتجين الذين يعتبرهم خصومه، عبر استحضار شعر جرير وحكاياته مع الفرزدق والأخطل والبعيث..
بالإضافة للخطأ البلاغي الجسيم و"القاتل" كما نوه النحوي والصحفي الكبير الصديق سي عامر بوعزة: "استخدام بيت جرير: (زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا) في هذا السياق بالذات يمكن اعتباره خطأ بلاغيا قاتلا، إذ يمكن أن يرتدّ بسهولة على قائله، فهذا البيت يتمثلون به عند الإشارة إلى من كان كلامه كثيرا وفعله قليل"..
وهذا المقطع من قصيدة جرير التي اجتزأ منها الأستاذ قيس سعيد في دردشته الخطابية:
"أعدَدتُ لِلشُعَراءِ سُمّاً ناقِعاً
فَسَقَيتُ آخِرَهُم بِكَأسِ الأَوَّلِ
لَمّا وَضَعتُ عَلى الفَرَزدَقِ مَيسَمي
وَضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أَنفَ الأَخطَلِ"
وبهذا الأسلوب الغريب وضع الاستاذ سعيد نفسه في عداء مع جيل "زاد"/"زاي" ويقصد به الجيل الناشئ الجديد المولود بين 1997 و2012..
وكأنه الإيذان بصراع جديد في تونس بين الجيل الناشئ وجيل جرير والفرزدق ومربع والأخطل والبعيث!!!
حفظ الله تونس من التصفيات الجسدية ومن السموم ومن جذع الأنوف وقطع الرؤوس..