" لا أحد ينام في الإسكندرية " حولت المدينة من رمز للمنفى والتدهور إلى رمز للبقاء والوحدة
الاقتباس والمقاومة: إعادة تأطير الإسكندرية في "لا أحد ينام في الإسكندرية" و"جوستين"
نوقشت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، يوم الثلاثاء الموافق 21 أكتوبر 2025، رسالة الماجستير التي تقدمت بها الباحثة أسماء حنفي لاستكمال متطلبات درجة الماجستير في الآداب، بإشراف، أ.د. نادية الخولي، وأ.د. سونيا فريد.
وتشكلت لجنة المناقشة من أ.د. نادية الخولي (مشرفًا ورئيسًا)، وأ.د. مصطفى رياض (عضوًا)، وأ.د. نجلاء الحديدي (عضوًا)، وأ.د. سونيا فريد (مشرفُا)
Hanafy, Asmaa Sayed. Elements of Appropriation in No One Sleeps in Alexandria and Justine. 2025. MA thesis, Cairo University.
تتمثل الأطروحة المركزية لهذه الدراسة في أن رواية إبراهيم عبد المجيد، "لا أحد ينام في الإسكندرية"، تترك أثرًا في قرائها بوصفها اقتباسًا حرًا لرواية لورانس داريل "جوستين". هذه العلاقة ليست مجرد تأثير أدبي أو تكييف، بل هي استجابة نقدية تهدف إلى تقويض الأطر الاستشراقية والتصويرات المشوّهة لمدينة الإسكندرية. تُبرهن الدراسة، من خلال تحليل الروايتين عبر عدستي كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد ومفهوم المكان، كيف ينجح عبد المجيد استراتيجيًا في خلق رؤية فنية جديدة تحتفي بـصمود وهوية المتروبوليس المصرية الأصيلة.
تطور الباحثة الحجة بشكل منهجي عبر ثلاثة عناصر مقارنة رئيسية: تمثيل المدينة، ورحلة الأبطال، والتقنيات السردية التي وظفها كل مؤلف.
المدينة بوصفها "الآخر" مقابل المدينة بوصفها "البطل"
تكمن مساحة الخلاف الرئيسية في تصوير الإسكندرية نفسها. تُصوَّر الإسكندرية في رواية داريل "جوستين" بوصفها "الآخر" الغريب، المتداعي، والخطير. فمن خلال منظور الراوية دارلي تؤنَّث الإسكندرية بوصفها قوة مغرية ومدمرة في آن واحد، تعكس شخصية جوستين. يركز المنظور الاستشراقي لداريل على الغرائبي والفوضوي، مستخدمًا المناظر والصور—مثل القذارة، الذباب، والفقر—لتقليل من قيمة المدينة وجاذبيتها المدينة ولجذب النظرة الغربية بشكل أساسي. علاوة على ذلك، يهمّش داريل السكان المصريين؛ إذ غالبًا ما يصورهم بوصفهم أشخاصًا بلا صوت، معاقين، أو أدنى؛ الأمر الذي يعزز ديناميكيات علاقات القوة بين الغرب والشرق.
على النقيض المباشر، يضع عبد المجيد الإسكندرية بوصفها "البطل". فعنوان روايته، "لا أحد ينام في الإسكندرية" بيان رمزي ضد التدهور، مؤكدًا حيوية المدينة وقوتها المتأصلة. يوظف عبد المجيد مواضيع الجيرة، والحب، والصداقة لتوضيح تأثير المدينة الإيجابي. على سبيل المثال، تُستخدم التفاعلات المتناغمة بين عائلة مجد المسلمة وعائلة ديمتري القبطية لتسليط الضوء على التماسك الاجتماعي، والتسامح الديني، والوحدة الوطنية، متحديًا بشكل مباشر الروايات الضمنية لداريل حول الانقسام وانعدام الأمان. يصبح الجمال الأصيل للمدينة وصمودها التاريخي أدوات تمكّن الشخصيات المحلية، وتعيد تعريف الإسكندرية بوصفها مصدرًا للانتماء بدلاً من النفي.
التناقض بين رحلات تحقيق الذات
يُشَكِّل الدور المتناقض للمدينة بشكل عميق رحلتي الأبطال الداخلية والخارجية، وكلاهما يتبع نمط رواية التكوين (Bildungsroman). تتميز رحلة دارلي بالاغتراب والمنفى. فهو ينظر إلى الإسكندرية بوصفها مصدرًا لمعاناته، ساعيًا لتحقيق الذات عن طريق اختبار طبيعة المدينة المعقدة من خلال علاقاته الغرامية المؤلمة. يرمز قرار دارلي النهائي بالفرار إلى جزيرة يونانية إلى انفصاله؛ حيث تصبح الجزيرة مصدره الحقيقي للإلهام والحرية، بينما تظل الإسكندرية ذكرى مؤلمة يجب عليه "إعادة بنائها" فكريًا لفهمها.
على النقيض من ذلك، فإن رحلة مجد في "لا أحد ينام في الإسكندرية" هي رحلة تحول واحتضان. على الرغم من وصوله في البداية غريبًا يفر من ثأر قروي، تعمل المدينة بوصفها محفزًا للنمو. تساعده تفاعلاته مع المجتمع، وحب زوجته زهرة، وصداقة دميان، على التخلص من مخاوفه والاندماج بشكل كامل. ذروة هذا التحول هي عودته غير القسرية إلى الإسكندرية في خاتمة الرواية، والتي ترمز إلى إحساسه المكتسب بـالوطن، والبقاء، والانتماء.
التقنيات السردية للتفتيت والتماسك.
تعكس الاستراتيجيات السردية التي يوظفها المؤلفان أهدافهما الموضوعية المتباينة. يستخدم داريل سردًا مُفَتّتًا بضمير المتكلم يرويه دارلي، معتمدًا على تقنية تيار الوعي والاسترجاعات (flashbacks). يهدف هذا الهيكل المعقد وغير الخطي إلى التأكيد على الطبيعة الذاتية للحقيقة والتفتت النفسي للراوي. ومع ذلك، تُنتقد هذه العدسة السردية لكونها ذاتية بطبيعتها ولأنها لا تسمح إلا لأصوات الجالية الأوروبية بأن تُسمع؛ الأمر الذي يعزز تهميش المصريين.
يختار عبد المجيد، بدوره، سردًا مُتَماسكًا بضمير الغائب العليم ذي حبكة خطية تقليدية. يتيح ذلك عرضًا شاملاً للمشهد الاجتماعي والتاريخي. يستخدم عبد المجيد على نطاق واسع الحوار والأصوات المحلية المتعددة (مثل أم حميدة وست مريم) لتصوير الحياة الاجتماعية، والفخر التاريخي، والروح المجتمعية للإسكندرية، مانحًا بذلك وكالة للشخصيات التي أسكتها داريل. علاوة على ذلك، يستخدم عبد المجيد التناص—مدمجًا آيات من القرآن والإنجيل، بالإضافة إلى الشعر الشعبي المصري—لتجذير السرد بعمق في هوية المدينة الثقافية والدينية الأصيلة، على النقيض الحاد من إشارات داريل التناصية، التي غالبًا ما كانت تُستخدم لانتقاد المدينة.
الخاتمة
في الختام، يؤكد التحليل أن "لا أحد ينام في الإسكندرية" اقتباس أدبي متطور يقدم نقدًا لرواية "جوستين". فمن خلال التقويض المنهجي لتصوير داريل الاستشراقي لجغرافيا المدينة، وشعبها، والإطار السردي، ينجح عبد المجيد في استرداد السرد، محوِّلًا الإسكندرية من رمز للمنفى والتدهور الأوروبي إلى رمز قوي للبقاء المصري، والوحدة، والقوة الدائمة.
