من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

حين تغيب رائحة الطيب.. وتفوح رائحة الإهمال!

أحمد نيازى الشريف
حين تغيب رائحة الطيب.. وتفوح رائحة الإهمال!


"نظافتك عنوانك.. فكن طيب الأثر جميل السيرة"



في زمنٍ تتسارع فيه الموضات وتتبدّل فيه المعايير، بات المظهر الخارجي عند كثير من شباب هذا الجيل مرهونًا بالماركات فى الملابس والعطور المستوردة، بينما غابت عن الأذهان حقيقة أن النظافة ليست ترفًا ولا زينةً شكلية، بل عبادة وسلوك إيماني أصيل أمرنا به الله ورسوله ﷺ.

حيث قال تعالى في محكم التنزيل: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" [البقرة: 222].

وتلك الآية الكريمة ترسم بوضوح حدود العلاقة بين الإيمان والطهارة، فالمؤمن لا يكتمل إيمانه إلا إذا كان نظيفًا في ظاهره وباطنه، طيب الرائحة، حسن الهيئة، طاهر القلب والجسد على السواء.

ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الطهارة شطر الإيمان حينما قال: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ" (رواه مسلم).

بل كان نبينا وحبيبنا ﷺ من أكثر الناس عنايةً بالنظافة الشخصية؛ يغتسل للجمعة والعيدين، ويستاك عند كل صلاة، ويحثّ أصحابه على تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتغيير الثياب النظيفة. فكان مثالًا يُحتذى في الأناقة الحقيقية التي لا تكلّف مالًا، بل تفيض احترامًا للذات والمجتمع.

كما نرى هذه الأيام وللأسف الشديد، كثيرًا من شبابنا ينشغلون بالمظاهر دون الجوهر، يقتنون الملابس الباهظة والأحذية اللامعة، لكنهم يغفلون عن أبسط قواعد الطهارة: نظافة الجسد، ورائحة العرق، وتهذيب المظهر العام، مشاهد تتكرر يومياً في المواصلات والجامعات، حتى أصبح بعضهم يؤذي الآخرين دون أن يشعر، في تناقضٍ صارخ مع قوله ﷺ:

 "لا ضرر ولا ضرار."

إن الإسلام دين الجمال والنقاء، وقد قال رسولنا الكريم ﷺ: "إن الله جميل يحب الجمال"، فإن الجمال في الإسلام ليس ما تزين به الجسد فقط، بل ما يعكس نظافة النفس وسلوك الإنسان واحترامه للآخرين.

ولذلك، فإننا اليوم بحاجة هامة إلى إعادة إحياء سنة النظافة في سلوكنا اليومي، لا كشعار مؤقت، بل كعقيدة وسلوك متأصل في ثقافتنا، فالنظافة ليست عادة أجنبية ولا موضة عابرة، بل فريضة ربانية وسنة نبوية يجب أن تبدأ من داخلنا وتمتد إلى مظهرنا، وبيوتنا، وبيئتنا.

وفي هذا المقال، تبقى رسالة الطهارة أسمى من كونها سلوكًا ظاهريًا؛ إنها حالة من الصفاء الداخلي والتوازن الإيماني، فلنغسل قلوبنا قبل أجسادنا، ولنُعطر أرواحنا قبل ثيابنا، فالنظافة ليست فقط ماءً يلامس الجسد، بل نورٌ يضيء القلب ويُرضي الرب، ما أجمل أن يبدأ المسلم يومه بطهارةٍ تُنقيه من كل دنسٍ ظاهر وباطن، وأن يسير في الناس كنسمةٍ طيبةٍ لا تؤذي أحدًا، بل تُبهج من حولها برقيّها وأدبها، فلتكن طهارتك عنوانك، ورائحتك الطيبة رسالتك، وذكرك الجميل أثراً يبقى ما بقيت الحياة.