من الفن إلى العزلة... فى ذكراها الوجه الآخر في حياة لولا صدقي التي أحبها الجمهور ونسيتها الأضواء
واحدة من إحدى جميلات السينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات، تألقت بملامحها الأوروبية وحضورها الطاغي وخفة ظلها التي جعلت الجمهور يقع في حبها من النظرة الأولى. إنها لولا صدقي، الفنانة التي صنعت لنفسها مكانة خاصة بين نجمات جيلها، وقدمت مشوارًا فنيًا ثريًا قبل أن تختار الصمت والعزلة في نهاية طريقها بعيدًا عن الأضواء التي طالما أحاطت بها.
ولدت الفنان الراحلة لولا صدقي في مثل هذا اليوم الموافق 27 أكتوبر لعام 1923م لأسرة مصرية راقية من أصول لبنانية، وكان والدها هو الكاتب أمين صدقي وكان يعمل مترجمًا لإيجاده عدة لغات، والذي تزوج من إيطالية وأنجبها وكان في البداية رافضا تماما لعملها بالفن.
ودرست في مدارس أجنبية، وتعلّمت العزف والغناء في سن مبكرة، قبل أن تجذبها أجواء المسرح لتبدأ أولى خطواتها الفنية على خشبة مسرح نجيب الريحاني، حيث اكتشف الجمهور طاقتها الفنية وقدرتها على الإضحاك والعفوية.
وفي السينما، لمع نجم الفنانة لولا صدقى وسرعان ما أصبحت من أيقونات الشاشة في عصرها الذهبي، إذ قدّمت عشرات الأدوار المتنوعة بين الكوميديا والدراما، وأبدعت في تجسيد شخصية المرأة الجميلة المرحة التي تمتلك حضورًا قويًا وكاريزما خاصة. عملت مع كبار الفنانين مثل إسماعيل ياسين، أنور وجدي، وفاتن حمامة، لتصبح من أبرز الوجوه التي لا تُنسى في ذاكرة الجمهور المصري.
49 فيلما، من كلاسيكيات السينما المصرية
وشاركت الفنانة لولا صدقى فى عدد من الأفلام السينمائية المهمة التى لا تقل عن 49 فيلماً والتى تعد من أهم كلاسيكيات السينما المصرية، وكان أبرزها فيلم"الاستاذة فاطمة"، وفيلم "حرام عليك"، وفيلم "عريس مراتي"، وأيضاً فيلم "أبو حلموس"، وفيلم "أحبك إنت"، وفيلم "عفريتة هانم"، وفيلم "المنزل رقم 13"، بالإضافة إلى فيلم "النمر"، وفيلم "شهرزاد"، وغيرها من الأعمال الناجحة.
ومن الجوانب اللافتة في حياتها، كانت علاقتها القوية بالفنان رشدي أباظة، التي تجاوزت حدود الزمالة الفنية إلى صداقة إنسانية حقيقية، فقد جمعت بينهما روح الدعابة والثقافة المشتركة، وكان رشدي يقدّر ذكاءها وجرأتها في التعبير عن آرائها، فيما كانت هي ترى فيه مثالًا للفنان الوسيم الموهوب الذي يجمع بين الرجولة والرقي، وشكّلا معًا ثنائيًا محببًا في بعض الأعمال والمناسبات الفنية التي جمعتهما.
ومع مرور الزمن وتغير ملامح السينما، ابتعدت لولا صدقي تدريجيًا عن الشاشة، خاصة بعد صعود جيل جديد من الفنانات، لذا اختارت الابتعاد في هدوء، وسافرت إلى إسبانيا حيث قضت سنواتها الأخيرة في عزلة شبه تامة، بعيدًا عن أضواء الشهرة التي طالما أحاطت بها.
وهناك عاشت وحيدة حتى رحلت في صمت، تاركة خلفها مسيرة فنية لا تُمحى من ذاكرة السينما المصرية.
ورحلت عن دنيانا الفنانة والإنسانة لولا صدقي، لكن صورتها ما زالت حاضرة في أذهان عشاق الفن الأصيل، بابتسامتها التي تحمل مزيجًا من الأنوثة والقوة، وبأدوارها التي جمعت بين الجرأة والرقي، فكانت فنانة سبقت عصرها، وعاشت بين المجد والعزلة، لتبقى حكايتها شاهدًا على زمنٍ جميل، وفنٍ لا يموت.
