" البومة العمياء " تعبر عن العمى الروحي والتيه الوجودي
"إن الإحساس بدنو الأجل مخيف في حد ذاته, فكيف بإحساس المرء أنه قد مات !
هنالك عجائز يستقبلون الموت باسمين, وكأنهم ينعسون ويغفون, أو كأنهم سراج خبا.
ولكن ما هي الإحساسات التي سوف يشعر بها الشاب القوي الذي يموت فجأة وتظل كل قواه الجسدية تصارع الموت بعض الوقت ؟ "
هذا مقطع من رواية " البومة العمياء" للكاتب الإيراني صادق هدايت
في ركن الأدب الإيراني في مكتبتي لا صوت يعلو على صوت [ كافكا إيران ] صادق هدايت ( 1903 - منتحراً 1951 ) ..
رواية "البومة العمياء" تمثل نظرة صادق السوداوية للحياة، الرواية عالم كوابيس أسود، لا يبدو لك سواده إلا إذا كنت داخله، بل إنه يستحوذ عليك حتى بعد تركه.
وتُعدُّ الرواية من روائع الأدب الرمزي، وقد احتلت مكانة شاهقة في بنيان السرد العالمي، بما حوته من ظلالٍ كثيفة من الغموض والفلسفة الوجودية.
تُعدّ الرواية جوهرة أدبية تُجسّد ببراعة الصراع الداخلي والوحدة الإنسانية في ظلّ مجتمع تقليدي. تروي الرواية حياة بطلها بلغةٍ غامضة وسردٍ معقّد، مستحضرة رمزية البومة لتُعبّر عن العمى الروحي والتيه الوجودي. تتّسم الرواية بأجواء نفسية عميقة وتفاصيل غنية، تمنح القارئ تجربة أدبية مكثّفة ومؤثّرة.
تتألّق "البومة العمياء" بغناها الرمزي الذي يعكس التوترات النفسية والاجتماعية. البومة، بوصفها رمزًا للعمى الروحي والموت، تُجسّد اضطراب البطل وفقدانه. المنزل القديم يُمثّل عبء الماضي وأغلال التقاليد، بينما تُجسّد الأزقة المعتمة والظلام العزلة والحزن العميق. الماء، بدوره، يحمل دلالات التنقية ومحاولات الهروب، لكنه يظلّ مشوبًا بالمأساة. تتداخل هذه الرموز لتُشكّل نسيجًا فلسفيًا ونفسيًا يُعزّز عمق الرواية وسحرها الأدبي.
هذه الرواية، التي كُتبت في أربعينيات القرن، إبان تردّي حال هدايت النفسي واستفحال نزعته العدمية. ولقد خطّ هدايت في البومة العمياء سفرًا سوداويًا يُعدّ بمنزلة نَصٍّ مقدّس في أدب العدم واليأس. وليس من المبالغة القول بأن هذه الرواية تمثل قمّة النضج الفني والجنون الإبداعي في آنٍ معًا. وهي برغم مرور العقود، لا تزال متوهّجة بسحرها المظلم، آسرة بوحشيتها الجمالية، عصيّةً على الفهم التام، كما ينبغي لكل عمل أدبي راق.
#نقاش_دوت_نت
