مصر تبهر العالم من جديد: المتحف المصري الكبير.. معجزة الحضارة على أعتاب الأهرامات
مصر تُهدى العالم فصلاً جديدًا من عظمتها
في قلب القاهرة وتحت سمائها المضيئة، عاشت مصر ليلة استثنائية كتبتها بحروف من ذهب، حين احتفت مساء أمس (الأول من نوفمبر) بافتتاح المتحف المصري الكبير على مقربة من أهرامات الجيزة، في مشهدٍ مهيب أبهر العالم بجماله وعظمته. حضر الحفل ملوك ورؤساء ووفود من 79 دولة، وسط عروض فنية وضوئية ساحرة وموسيقى عانقت التاريخ بروحٍ عصرية، لتؤكد مصر من جديد أنها قلب الحضارة النابض، وهديةُ الزمن للعالم بجلالها وجمالها الذي لا يزول.
فمن فكرةٍ حلمت بها عيونٌ مصرية في تسعينيات القرن الماضي إلى مجمّعٍ متكامل ضخم خرج للنور بعد أكثر من عقدين من العمل والصبر، حيث انطلقت بذرَة المشروع رسميًا في أوائل التسعينات، ووُضع حجر الأساس مركزيًا ثم بدأت الأعمال الإنشائية الفعلية في 2005، مكلّلةً سنواتٍ من التخطيط الدولي والتعاون المعماري والمتاحفي، فالهدف كان ولا يزال أن تُجمع كنوز مصر القديمة في مكانٍ واحد يقدمها بروحِ سرديةٍ متكاملة تجعل الزائر يعيش تاريخ النيل بأبعاده الإنسانية والسياسية والدينية معاً.
المتحف الذي بلغت مساحته وأحجام عرضه أرقامًا قياسية بالنسبة لمتحف مُكرّس لحضارةٍ واحدة — يضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، بينها مجموعة توت عنخ آمون كاملة تُعرض مجتمعةً للمرة الأولى منذ اكتشافها، إلى جانب قاطرة خورشيد الفرعون خُوفو، وتماثيل هائلة ومنصات عرض تكنولوجية تُمكّن الزوار من الاقتراب من التاريخ بتقنيات تفاعلية وتعليمية، هذا التجمع يجعل من المتحف مركزًا عالميًا للحفاظ على التراث ومركز جذب سياحي وثقافي من الطراز الأرفع.
لم يكن المشروع نقلة معمارية وفكرية فحسب، بل كان أيضًا ثمرة تعاون دولي ملموس، حيث لعبت اليابان دورًا رئيسيًا في تمويل المشروع عبر قروض يُقدّر حجمها بمئات الملايين، لدعم الإنشاءات ومركز الترميم والحفظ المجاور، بينما شاركت جهات ومؤسسات دولية وأممية في برامج حماية التراث والتعاون الفني، إذا فهذا الدعم الدولي رسّخ الرؤية المصرية لتحويل التاريخ إلى جسر يربط الأمم.
والاحتفال الافتتاحي كان عرضًا فنيًا بديعًا، توالفت فيه موسيقى احتفالية، عروض ضوئية، ألعاب نارية ودعم بصري بتقنيات حديثة مثل عروض الإسقاط والطائرات الدرون التي رسمت رموزًا فرعونية في سماء الجيزة، كما شارك نجوم مصريون وعرب بأداء فني ألبس الاحتفال روحًا وطنية معاصرة امتدت جذورها إلى أعماق التاريخ، بجانب الزيارات الرسمية، والجولات التي قادها الرئيس ووفود الرؤساء داخل قاعات المتحف، كانت رسالة واضحة:" مصر تُعيد تقديم نفسها للعالم بثقةٍ متجددّة".
ما الذي يجعل هذا الحدث أكثر من افتتاح مبنى؟ لأنه احتفال بصرخةٍ حضارية تقول إن مصر أرض النيل، باقية بعظمتها، وأن شعبها وقادتها يؤمنون بأن الإرث لا يُباع ولا يُزوَّر بل يُحفظ ويُعرض بشرفٍ للعالم أجمع.
في كل حجرٍ من أحجار الممرات، في كل منحوتة تُطلّ من وراء زجاجٍ مُضاء، يُقرأ تاريخ نَهرٍ وشعبٍ أبدع الكتابة والفنون والعلوم، وقال للعالم: نحن مصدر الحضارة القديمة، ونحن أيضًا واقفون اليوم لبناء مستقبلٍ ثقافي وسياحي متجدد.
الافتتاح لم يكن مجرد مناسبة رسمية بل كان رسالة اقتصادية وثقافية: يرى صانعو القرار أن المتحف سيُعيد جذبَ السياح ويعزز الاقتصاد ويخلق آلافِ فرص العمل في قطاعَي الثقافة والسياحة، كما أنه يوفر منصة تعليمية وبحثية لآلاف العلماء والخبراء والطلاب من مصر والعالم، ليُستكمل فصل من فصول البحث عن الماضِي وإيصاله إلى الحاضر بوسائلٍ علمية حديثة.
وللحديث عن الفنون: غنّت أصوات مصرية معاصرة امتزجت بموسيقىٍ أوركسترالية، وظهرت عروضٌ استعراضية تسلّط الضوء على رموز الفراعنة واللوحات النحتية، بينما تداخلت اللقطات السينمائية والإسقاطات لتحكي قصة الملك والبلاد؛ فن وشكل وأداء حمل رسالة واحدة — أن فرعونا ومصر وحضارتها ليست مجرد تاريخ محفوظ في متحف، بل هي إرث حيّ يواصل الحضور في خيال البشرية.
في النهاية، وسط ضوء الكاميرات وتصافح القادة، احتفت مصر بشعبٍ ونهرٍ وتاريخٍ. المتحف الكبير، بجناحِه المعماري الضخم وقاعاتِه المزدانة بالذهب والحجر والضوء، هو دعوة مفتوحة لكل من يريد أن يرى التاريخ بعينٍ جديدة: حضارةٌ أعطت الإنسانية أبجديةَ الكتابة، وقوانينها القديمة تُدرّس اليوم، وفنّها يُدرس في أرقى جامعات العالم،إفتتاحه ليس نهاية مشروع، بل بداية فصلٍ جديد في صوغ الرواية المصرية للعالم رواية تُعلن: هذه بلاد الفراعنة، وهذا شعب نيلٍ وعطاء.
#نقاش_دوت_نت
