من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الأندلس الباكي

د.مصطفى رياض
الأندلس الباكي



قصيدة "الأندلس الباكي" للشاعر شوقي السيد، مرثية تتجاوز حدود الرثاء التقليدي لتلامسَ أبعاداً إنسانيةٍ ووجودية. 

تتسم القصيدة ببناءٍ لافتٍ، حيث تبدأ بومضاتٍ من الذكريات المبعثرة في شوارع الأندلس، كأنها شظايا زمنٍ غابر. هذه البداية، وهو الأمر الذي يُهيئ القارئ لرحلةٍ عاطفيةٍ عميقةٍ في عالمٍ يمزج بين الحنين والألم.


يبدع الشاعر شوقي السيد صورا شعرية موحية ومؤثرةٍ، مثل صورة "ابن زيدون في غيبوبته في خمارته يجتر الذكريات" هذه الصورة تختزل حالةَ الشوقِ والحسرةِ التي تملأ قلب الشاعر تجاه الأندلس، وكأنّ ابن زيدون، رمزَ الحبّ والشعر، يعيش حالةً مُشابهةً في منفاه.

لا يقف الشاعر عند استدعاء الأماكن والأشخاص، بل يستحضر التاريخَ بكل ما فيه من فجائع وانتصارات فتعبر صورة السيف المكسور على بابه "سيف مكسور على باله و صورة محاها التاريخ وأوزاره عن زوالِ السلطةِ وضياعِ الهوية، بينما "ضحكات ولادة وأنين الوليد وأشعاره" تُجسد دورةَ الحياةِ والموتِ التي لا تتوقف.

تتميز لغة القصيدة بالبساطةِ والوضوحِ مع قدرةٍ فائقةٍ على التصوير والإيحاء. الألفاظُ مُنتقاةٌ بعنايةٍ، تحملُ شحنةً عاطفيةً مؤثرة ، مثل كلمات "مبعثرة"، "عبق"، "أنين"، "أتضور جوعاً"، "يخنقها"، "باكية". هذه الكلمات تُساهم في خلقِ جوٍّ حزينٍ ومؤثرٍ يُشارك فيه القارئ الشاعرةَ إحساسها بالفقدِ والحنين.

أما الأندلس فهو رمز للفقدانِ والهويةِ الضائعةِ، ولكنه أيضاً رمزٌ للأملِ والصمودِ. فرغم كلِّ ما حدث، تبقى "الحضارة" باقيةً، ويبقى "الأندلس" حاضراً في ذاكرةِ الشاعر ووجدانه.

مُبَعْثَرَةٌ ذِكْرَيَاتِي هُنَاكَ، 

فِي كُلِّ الطُّرُقَاتِ. 

الْكُلُّ يَعْرِفُنِي، 

وَإِنْ نَادَوْنِي بِمُخْتَلِفِ الْأَسْمَاءِ وَالْكَلِمَاتِ.

عَبَقُ الْحِكَايَاتِ يُصَافِحُنِي، 

وَيَلْفَحُنِي أَنِينُ الْحَارَاتِ. 

قُرُونٌ تَنْتَظِرُ وِلَادَةً، 

وَابْنُ زَيْدُونَ فِي غَيْبُوبَتِهِ، 

فِي خَمَّارَتِهِ، يَجْتَرُّ الذِّكْرَيَاتِ.

أَتَضَوَّرُ جُوعًا، 

وَهِيَ تَتَوَسَّلُ، 

وَالْمَوْتُ يَخْنُقُهَا، وَالسَّكَرَاتُ.

بَيْتِي الْقَدِيمُ هُنَاكَ... فِي قَاعِ الْحَارَةِ

. سَيْفٌ مَكْسُورٌ عَلَى بَابِهِ، 

وَعِبَارَةٌ مَحَاهَا التَّارِيخُ وَأَوْزَارُهُ. 

ضَحِكَاتُ وَلَّادَةَ... وَأَنِينُ الْوَلِيدِ وَأَشْعَارُهُ.

أَخُوضُ بَيْنَ التُّرَابِ وَالدَّمَارِ، 

وَزَيْتُ قِنْدِيلٍ مَسْكُوبٍ مَا زَالَ يَشْتَعِلُ شَرَارُهُ.

عَلَى الْحَائطِ مَلَامِحُ جَدِّي بَاكِيَةٌ. 

قُلْتُ: «كَيْفَ بَقِيتَ فِي صَمْتٍ...؟؟!»

«قَدْ نَرْحَلُ يَا بُنَيَّ، وَلَكِنْ لَا تَرْحَلُ الْحَضَارَةُ. 

الْأَنْدَلُسُ... وَإِنْ تَهَاوَتْ قَوَائِمُهُ، يَبْقَى. 

وَأَبْقَى وَحْدِي ذِكْرَى مُلْكٍ وَإِمَارَةٍ. 

الْأَنْدَلُسُ سَيَبْقَى يُبْكِينِي، 

وَسَأَظَلُّ أَبْكِي جِوَارَهُ».

#نقاش_دوت_نت