وادي العقيق المبارك جزء من الحاضر
حين نرى هذه المشاهد من وادي العقيق المبارك، بعد إعادة إحيائه بهذه الطريقة، ندرك أنَّ فكرة التخطيط الحضري للوادي؛ تأسَّست على وعي استهدف استعادة العلاقة بين الإنسان وتاريخ المكان، ولذلك جاءت هذه المشاهد؛ تعبيرًا عن إرادة تصحيح مسار طويل متراكم، كانت فيه بعض مدننا تعيش خصومة صامتة مع طبيعتها. فكانت الوديان تُطمر، أو تُرصف، أو تُحوَّل إلى مواقف سيارات، أو مجارٍ مغلقة تحت الأرض، وكأننا نريد إخفاء العنصر الطبيعي الحيوي، الذي كان جذرًا وأصلًا منح الحياة والمعنى لهذه الأرض.
أما اليوم، وهنا؛ فنحن أمام عودة الوعي: فالوادي هو نَفَس المدينة ورمز تاريخها، الذي أهملناه طويلاً، فهذه الممرات الحجرية، وهذه الإضاءة الهادئة، وهذا النباتات والشجيرات؛ كلُّها مشاهد حيَّة، لا تتصنَّع ولا تتكلَّف، وكلُّها تقول: إنَّ التصميم ليس تدخلاً ضد الطبيعة، ولا طمسًا لها، وإنما هو انسجام مع الطبيعة واحياء لها، وحفاوة بها..
فحين نرى عائلةً تمشي، أو شخصاً يقف على الحافة مستمتعاً بصوت الماء، أو شجرًا فاتن الاخضرار، يتمدد في بطن الوادي؛ فهذا يعني أنَّ المكان استعاد جوهره الحقيقي، ووظيفته الأولى: أن يكون مكاناً للوجود، وليس للعبور فقط. وهذه اللحظات الصغيرة المحمَّلة بالمعنى؛ هي معيار نجاح التخطيط، أكثر من أي مخطط هندسي آخر، لأنها لم تستحدث الطبيعة، وإنما أعادتها إلى سياقها الأصل.
ومثل هذه التجارب، والمبادرات؛ هي التي تربِّي الذاكرة البصرية للمدن، وتمنحها هوية تميِّزها. وإلى ذلك؛ فهي تذكِّرنا بأنَّ المدن ليست مبانٍ شاهقة، وجسورًا وطرقاً سريعة، ومقاهٍ، وأسواقًا حديثة فقط. وإنما هي عمق وامتداد، يمكن قياسه، بطبيعة علاقتها بما تحت الجسور أيضًا: الماء، والطين، والنبات، وظلّ الجبال في الأفق.
وهنا يصبح الوادي جزءاً من الحاضر، كما كان عنصرًا حضاريًا وثقافيًا في الماضي. ولهذا، فإنَّ تجربة مثل (وادي
العقيق المبارك) درسٌ بالغ الدلالة، يكشف لنا: أنَّ التطوير الحقيقي ليس الذي يجعل المدينة تشبه مدينة أخرى، بل الذي يجعلها تشبه نفسها.
#نقاش_دوت_نت
0
