من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الشعر الأدونيسي

عبدالله السمطي
الشعر الأدونيسي

قشابةُ الشّعرِ الأدونيسيّ لم تبدُ مطالعها إلا بعد الدخول إلى مرحلة الخمسينيات، في: ( قالت الأرض) و( قصائد أولى) حيث تبدّل وعيه الأوّلي ليتخلص من نظمية القصيدة العمودية، ومن سجنها الشكلي المعهود الذي لا يؤذن للشاعر أن يضرم أخيلته عبر اللغة، ويوظف المجالات الدرامية والسينمائية والتشكيلية في إبداع لغة جديدة تتكئ على الحوارية الشعرية أكثر من اتكائها على الفعل الغنائي التطريبي، وعلى لغة جديدة تفارق المعهود والمألوف من صور وتعبيرات مستهلكة كُتبت بأيد ناعمة وبمخيلة بسيطة حافة بخطاب رومانتيكي بسيط. 

كسر أدونيس في ديوانيه الجديدين هذه الحالة فنراه يقول مثلا:

جدّد بي الكون فأجفانه .. تلبسُ أجفاني

جدّد بي الكون بحريتي

فأيّنا يبتكرُ الثاني؟!

وهنا طفق أدونيس يخصف من أوراق الكون ليغطي الجسد المترهل العاري للقصيدة التقليدية، ويكسوها رؤى شعرية جديدة، ونمذجة تجريبية طليقة، بأشكال شعرية متعددة لا بشكل واحد أحادي شفاهي لم يعد ذا قيمة كبرى إلا في تعليم الشعراء الجدد كيفية النظم. 

لقد آن للشعر أن يكتنز بدلالات غير معتادة، ورؤى جامحة صوب التجريب، اتسعت نطاقات القصيدة، وصنع الشاعر الحديث على عيونه كواكب ومدارات ومجرات، تخاصم المعهود، وتصنع إيقاعاتها الجديدة، بل وتتخلى عن العروض الشعري الذي ضاق وضاقت به اللغة الشعرية، فلم يعد هو الممثل الوحيد لدى الأذن العربية، وتم قتل مندوب الخليل بن أحمد العروضي والقذف به خارج الفضاء الشعري الرحيب، حيث صوّح نبته، وأصبح هشيما ، لا يستخدمه إلا شعراء الجوائز والمسابقات المدرسية، حيث اكتشف الشعراء عصرهم الحديث ، واكتشفوا أن هناك موسيقى شعرية لا نهائية في اللغة العربية : بشعرها ونثرها، واكتشفوا بلاغات جديدة غير البيان والمعاني والبديع، كما اكتشفوا - بعد سقوط الأقنعة الجامدة - أن من ضيقوا على اللغة العربية فضاءاتها بحجة الحفاظ عليها أصبحوا كأهل الكهف غرباء بلا أثر، كأعضاء مجامع اللغة العربية تماما، يحبسون اللغة بنحوها وصرفها وصوتياتها وحروفها وكلماتها وجملها ومعانيها، في أحراشهم وغاباتهم مدعين أنهم يحافظون عليها وهم يقتلونها ويذبحونها كل يوم بسكاكين ومدى صدئة. 

" إن من الأمانة للتاريخ الأدبي أن نسلِّم أن أدونيس هو من أهم الذين عزَّزوا الأشكال الفنية للقصيدة العربية الحديثة، وبعده جاء أكثر شعراء الحداثة طليعية كأنسي الحاج ومحمود درويش وسعدي يوسف، لذا فوصف الشاعر علي الجندي لأدونيس بأنه "مهندس القصيدة العربية الحديثة" خير تعبير عن تلك المكانة وذلك الدور المؤسِّس " . 

#نقاش_دوت_نت