«علّام» السعودي: ولادة نموذج لغوي عربي يقود ثورة الذكاء الاصطناعي الإقليمي
في خطوة تعكس طموح السعودية لتكون مركزًا إقليميًا في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة هيومين (Humain) بالشراكة مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) عن تطوير النموذج اللغوي الكبير «علّام»، أول نموذج ذكاء اصطناعي عربي تم تدريبه داخل المملكة وبالاعتماد على بنية حوسبة محلية وبيانات عربية ضخمة.
يمثّل «علّام» نقلة نوعية في المشهد التقني العربي، إذ لا يقتصر على كونه نظامًا للمحادثة أو النصوص التوليدية، بل هو بنية لغوية ومعرفية مصممة لفهم اللهجات العربية، واستيعاب السياقات الثقافية والاجتماعية المحلية، وهو ما لم تنجح النماذج العالمية مثل ChatGPT وClaude وGemini في تحقيقه بدقة حتى الآن.
بنية تقنية متقدّمة برؤية محلية
تم تدريب «علّام» على مئات المليارات من الكلمات والعبارات المستخرجة من مصادر عربية متنوعة، شملت الأدب، الإعلام، التعليم، والتفاعل الرقمي الحديث. اعتمد الفريق المطوّر على تقنيات مشابهة لتلك المستخدمة في تدريب النماذج العالمية (مثل Transformers وReinforcement Learning from Human Feedback)، لكن مع تخصيص جوهري في مرحلة الضبط الدلالي (Semantic Fine-tuning) لضمان فهم السياق العربي الصحيح، بما في ذلك التعبيرات الاصطلاحية والمصطلحات الدينية والاجتماعية.
ويمتاز «علّام» بقدرته على المحادثة النصية والصوتية، وتحليل النوايا اللغوية باللهجات الخليجية والمصرية والمغربية واللبنانية وغيرها، إلى جانب اللغة العربية الفصحى. هذا التنوّع اللهجي يمنحه ميزة تنافسية واضحة، إذ إن النماذج العالمية غالبًا ما تترجم اللهجات إلى الإنجليزية أولًا ثم تعيدها للعربية، مما يفقدها الدقة والسياق.
التميّز مقارنة بالنماذج العالمية
بينما طورت شركات مثل OpenAI وAnthropic وGoogle نماذجها بالاعتماد على بيانات ضخمة متعددة اللغات، فإن اللغة العربية تمثل أقل من ١٪ من مجموع بيانات التدريب في معظمها. أما في «علّام»، فتتجاوز النسبة العربية ٨٠٪ من البيانات المستخدمة، مما يمنحه تفوّقًا نوعيًا في الفهم الثقافي والمعرفي.
النماذج الأجنبية تُنتج إجابات عربية جيدة لكنها “مترجمة ذهنيًا” من الإنجليزية، بينما «علّام» يفكر بالعربية مباشرة — أي أنه يتعامل مع اللغة كمنظومة مفاهيمية مستقلة، لا كلغة وسيطة. هذا الاختلاف الجوهري يجعل مخرجاته أكثر قربًا من المنطق العربي في الأسلوب والمقصد.
كذلك يتميز «علّام» باحتوائه على نظام رقابة ذاتي (Self-Governance Layer) يضمن التوافق مع القيم المحلية وأطر الخصوصية الخليجية، في حين تعتمد النماذج الأجنبية على سياسات أخلاقية عامة لا تراعي دائمًا الحس الثقافي العربي أو الديني.
التطبيقات والآفاق المستقبلية
من المتوقع أن يكون «علّام» ركيزة أساسية في بناء منصات حكومية وخدمية تعليمية وإعلامية ذكية داخل السعودية. قدرته على تحليل اللغة وفهم النوايا تجعله مثاليًا لتشغيل المساعدات الافتراضية، وأنظمة الدعم الفني الذكية، والتعليم المخصص باللغة العربية.
كما يُتوقّع أن يتم دمجه في البنية التحتية للمدن الذكية ضمن مشاريع «نيوم» و«القدية» وغيرها، ليكون نواة تفاعل لغوي طبيعي بين الإنسان والنظام، دون الحاجة إلى اللغة الإنجليزية كوسيط تقني.
التحديات القائمة
رغم التفوّق في النطاق اللغوي والثقافي، يواجه «علّام» تحديات تقنية مستمرة، أبرزها تحسين جودة الاستدلال المنطقي في الأسئلة التحليلية المعقدة، وتوسيع قاعدة المعرفة العالمية دون المساس بالطابع العربي للنموذج. كما أن تدريب النماذج العملاقة يتطلب بنية حوسبة ضخمة واستهلاك طاقة مرتفع، وهو ما تسعى السعودية لمعالجته عبر الاستثمار في مراكز بيانات خضراء ومصادر طاقة متجددة تدعم الذكاء الاصطناعي المستدام.
نحو سيادة معرفية عربية
يمثل «علّام» أكثر من مجرد منتج تقني؛ إنه تعبير عن تحوّل استراتيجي في علاقة العالم العربي بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. فبعد عقود من الاستهلاك للبرمجيات الأجنبية، تبدأ المنطقة اليوم مرحلة الإنتاج المعرفي الذاتي، بلغةٍ هي الأوسع انتشارًا في العالم الإسلامي، وبفهمٍ نابع من داخل ثقافتها لا من خارجها.
إن نجاح «علّام» لا يُقاس فقط بقدرته على توليد النصوص، بل بقدرته على إعادة تعريف الذكاء الاصطناعي في سياق عربي أصيل. وإذا واصلت السعودية هذا المسار في التطوير المفتوح والتكامل الإقليمي، فقد يصبح «علّام» نواة أول منظومة ذكاء اصطناعي عربية قادرة على المنافسة عالميًا في العقد القادم.
#علام
أول نموذج ذكاء اصطناعي عربي،تحليل النوايا اللغوية العربية، علام يفكر بالعربية
