كيف تعيد الثقافة للمجتمع توازنه؟
العلل المستترة في جسد المجتمع
المجتمعات كالأفراد تمرض وإن بدت في ظاهرها معافاة فالخراب لا يبدأ من الشوارع بل من الصدور التي تكلست فيها الرحمة وجف فيها نبع الخيال فحين يتراكم القبح في الوجدان ويتحول الجهل إلى عادة يتسلل الجنون الجمعي كما يتسلل الصدأ إلى الحديد فيغدو الناس أسرى أوهامهم يعبدون ما صنعته أيديهم من أفكار بالية ويقاتلون في سبيلها كأنها حقائق منزلة وهنا يتجلى ما يسميه الأطباء النفسيون بالانفصام الجماعي حين تتنافر القيم ويتقاطع القول مع الفعل فيبدو المجتمع كمن فقد صوته الداخلي فراح يصرخ بلا معنى
الدين والسياسة والعادات حين تمرض
ما إن تصيب العدوى ضمير الأمة حتى تُرى السياسة ديناً والدين تجارة والعادات شريعة مقدسة فينقلب ميزان العقل ويغدو الصراخ حكمة والظلم بطولة ويُدفن الجمال تحت ركام الشعارات وما أشد ضراوة المرض حين يتخذ شكل الفضيلة فتصبح الكراهية غيرةً على الإيمان والفساد حنكةً سياسية والرياء أدباً اجتماعياً فهنا تحتاج الأمة إلى طبيب لا يحمل سماعة بل مرآة ليكشف لها قبحها المخفي ويعيدها إلى صوابها الإنساني قبل أن تفقد ذاكرتها الأخلاقية
الجمال دواء القلوب والعقول
إن الثقافة التي تُلهِم الجمال ليست ترفاً للنخبة بل هي ضرورة للبقاء فهي التي تُعيد للناس توازنهم حين تختل الموازين وتُوقظ فيهم الحاسة النائمة التي تميز بين النور والظلام فالشعر والموسيقى والفن والفكر ليست زينة الحياة بل أجهزتها المناعية التي تقيها من العفن الروحي وإذا كان علي الوردي قد رأى أن ازدواجية الشخصية هي مرض الشرق فدواؤها عند الجاحظ يكمن في الضحك والفطنة والسخرية الذكية التي تكشف العيوب دون أن تذل أصحابها فالثقافة الملهمة للجمال هي الطب النفسي للأمم بها تُشفى من قسوتها وتتعلم أن الجمال ليس نزهة للبصر بل طهارة للضمير وعودة إلى إنسانية كادت أن تضيع.
تراكم القبح في الوجدان،الثقافة ضرورة للبقاء، الجنون الجمعي
