من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

رسالة مفتوحة إلى الرئيس السيسي

عصام لالا..خبير تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي
 رسالة مفتوحة إلى الرئيس السيسي


 من أجل ثورة إصلاح إداري ورقمي حقيقية (2026 – 2030)


 (مشروع 30/30: من المرتبة 95 إلى المرتبة 30 عالميًا في الحكومة الرقمية بحلول عام 2030)


فخامة الرئيس،


تحية تقدير واحترام،


أتوجه إلى سيادتكم بهذه الرسالة من موقع المواطن المؤمن بقدرة وطنه على النهوض من جديد، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن مصر التي شيّدت أعظم حضارة عرفتها الإنسانية، قادرة أن تبني إدارة حديثة تليق بتاريخها ومكانتها بين الأمم.

ولا يليق بنا، نحن بناة الأهرامات، وفي الوقت الذي افتتحت فيه مصر في الأول من نوفمبر أكبر متحف للحضارة المصرية القديمة في العالم، بحضور ملوك ورؤساء وممثلين من مختلف دول العالم، أن نقبل بأن يكون ترتيب الحكومة الرقمية المصرية في المركز (95) عالميًا، بينما الإمارات في المركز (11) والسعودية في المركز (6).


إن هذا الفارق الكبير لا يعكس قدراتنا الحقيقية، بل يعكس حاجة الدولة إلى مشروع وطني شامل للإصلاح الإداري والرقمي.

ولذلك، أقترح أن نطلق عليه “مشروع 30/30”، كرمز وهدف واضح: أن ترتقي مصر بترتيبها إلى المركز الثلاثين عالميًا بحلول عام 2030.


 فرصة تاريخية لا تتكرر


فخامة الرئيس،

إن قيادتكم للدولة لما يقارب ستة عشر عامًا متصلة (2014 – 2030) تمنح مصر فرصة نادرة لإطلاق ثورة إصلاح إداري ورقمي حقيقية، تكون امتدادًا لمشروع البناء والاستقرار، وتضع الأساس لدولة مؤسسات كفؤة، شفافة، ومتصلة رقميًا.


لقد أثبتم في أكثر من مناسبة وعيكم بعمق المشكلة، حين قلتم:


 “كل حتة فيك يا مصر محتاجة إعادة هيكلة.”


كما أكدتم مؤخرًا، في لقائكم مع ممثلي (52) شركة عالمية لخدمات التعهيد، إيمان الدولة بتكنولوجيا المعلومات، وأن مصر تأخرت كثيرًا في تحقيق نهضتها الرقمية.


لكن كما أشرتم أن المشكلة ليست فقط في ضعف التدريب أو الانضباط، بل في العقلية الإدارية ذاتها التي ما زالت أسيرة الورق أكثر من البيانات، والروتين أكثر من الكفاءة.

فهل يمكن لدولةٍ أن تصبح رقمية بينما عقلها الإداري ما زال ورقيًا؟

إن التحول الرقمي ليس مشروعًا تكنولوجيًا فحسب، بل مشروع وطني لإصلاح الدولة من الداخل — من طريقة التفكير إلى طريقة التنفيذ.


 رؤية الإصلاح: من البيروقراطية إلى الحوكمة الرقمية


إن مصر تحتاج اليوم إلى إعادة هيكلة مؤسساتها العامة من منظور حديث قائم على الكفاءة لا الشكل، وعلى النتائج لا الإجراءات.

فالمشكلة تبدأ من العقل قبل الهيكل؛ إذ ترسخت عبر عقود طويلة ثقافة الخوف من الخطأ أكثر من الخوف من التخلف، وأصبحت الموافقة أهم من النتيجة، والوظيفة أهم من الأداء.

إن إصلاح الجهاز الإداري لا يتحقق إلا إذا تحررت العقول من البيروقراطية المتجذّرة، وتحوّلنا من إدارة الورق إلى إدارة الأداء، ومن تكرار الإجراءات إلى قياس النتائج بمؤشرات أداء واضحة (KPIs).

ويجب دعم رحلة التغيير بكفاءات مؤمنة بالإصلاح ووكلاء إيجابيين للتغيير (Positive Change Agents) داخل الجهاز الحكومي.


ويتحقق الإصلاح المؤسسي من خلال:


• تحديد الأهداف الاستراتيجية لكل مؤسسة وربطها بمؤشرات أداء قابلة للقياس.


• إزالة الازدواجية وتضارب الاختصاصات بين الجهات.


• وضع نظام شفاف للمساءلة والحوكمة.


• بناء منظومة بيانات وطنية موحدة تُدار وفق تصنيفات دقيقة للسرية والأمن المعلوماتي.

كما أن العوار الهيكلي داخل الجهاز الحكومي يمثل أحد أكبر معوقات الإصلاح، إذ تتداخل الاختصاصات، وتتعطل القرارات بسبب تضارب الجهات وتراكم اللوائح القديمة.

والأسوأ أن يُستخدم أحيانًا مفهوم “الأمن القومي” لتبرير الجمود، وكأن دمج وزارة أو تطوير هيئة يمثل تهديدًا لاستقرار الدولة، بينما الحقيقة أن الأمن القومي الحقيقي في هذا العصر يقوم على مرونة الدولة وقدرتها على التكيّف.

ومن ثم، فإن دمج الكيانات المكررة، وإنشاء خدمات مشتركة (Shared Services)، ومراكز تميز (Centers of Excellence)، تمثل الخطوات الحقيقية نحو مؤسسات مرنة وفعّالة.

ولا بد أن ندرك أن الاعتماد المفرط على الأجهزة العسكرية والأمنية في تنفيذ المشاريع الكبرى، رغم ضرورته في فترات معينة، لا يمكن أن يكون بديلاً عن جهاز مدني كفء وفعّال.

فحماية الدولة لا تكون بمنع الإصلاح، بل بتسريعه في إطار من الحوكمة والشفافية والفكر التنظيمي المواكب للعصر.


 من الإصلاح الفكري إلى الإصلاح التقني


بعد إصلاح الفكر والهيكل، ننتقل إلى الأدوات.

فالتحول الرقمي لا يعني فقط أتمتة الإجراءات الحالية، بل إعادة تصميم كاملة لمنظومة الخدمة العامة.


المراحل الخمس للتحول الحقيقي تشمل:


1️⃣ تبسيط الإجراءات وتقليل عدد الخطوات والموافقات مع وضع المواطن في قلب الخدمة (Customer-Centric).


2️⃣ إعادة هندسة العمليات (Business Process Reengineering) وربطها بمنصات رقمية ذكية وفق مبدأ “الرقمنة إلى الجذر” (Digital to the Core).


3️⃣ تكامل البيانات الحكومية فيما بينها وأيضًا مع الشركاء عبر بنية وطنية موحدة تعتمد إتاحة البيانات (APIs) وتصنيف السرية — كما في تجربة سنغافورة.


4️⃣ حوكمة التحول الرقمي لضمان الاتساق وتوحيد المعايير المعمارية وضمان مشاركة القطاع الخاص واعتماد الخدمات والمنصات المشتركة (Shared Services).


5️⃣ الذكاء الاصطناعي والتحليلات لدعم القرار وتحسين الخدمات واختيار أفضل الحالات لاستخدامها (Use Cases) لرفع الكفاءة والإنتاجية في الصناعة والزراعة والخدمات.


 الهدف النهائي: حكومة ذكية، مترابطة، مؤتمتة، تُدار بالبيانات لا بالاجراءات الروتينية واللجان، وتتخذ قراراتها في لحظات لا شهور، وتكتشف القصور الإداري أو المالي قبل وقوعه.


 خطوات التنفيذ المقترحة

 

1. إنشاء وحدات خدمات مشتركة لإدارة العمليات الإدارية المركزية مثل الموارد البشرية، والمشتريات، والمحاسبة، والهوية الرقمية، والأمن السيبراني.


2. تأسيس مراكز تميز في مجالات تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي للخدمات الحكومية.

3. دمج منظومات الابتكار وريادة الأعمال في خطط الدولة، والاستفادة من طاقات الشباب والقطاع الخاص في تطوير الحلول الرقمية.


4. إطلاق منصة وطنية موحدة للبيانات الحكومية تكون الأساس في إدارة الدولة الحديثة واتخاذ القرار العلمي.

 البعد الاقتصادي والاجتماعي للإصلاح


فخامة الرئيس،

إن الإصلاح الإداري والرقمي ليس ترفًا تنظيميًا، بل هو مفتاح التنمية الاقتصادية الحقيقية.

فكفاءة الإدارة هي التي تضبط الإنفاق، وتُسرّع الإنجاز، وتستعيد ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.

والتحول الرقمي هو الوسيلة الوحيدة لدخول الاقتصاد الرقمي العالمي الذي أصبح يقود الثروات والنمو والوظائف الجديدة.

كما أن استثمار عقول المصريين في هذا المسار يمثل أذكى استثمار وطني في موردنا الأثمن: الإنسان.

مشروع 30/30 – هدف وطني واضح

ليكن مشروع “30/30” هو الخطة القومية للإصلاح الإداري والرقمي خلال السنوات الخمس المقبلة (2026–2030):

مشروع يربط بين الطموح والواقع، ويضع هدفًا محددًا بأن ترتقي مصر من المرتبة (95) إلى المرتبة (30) عالميًا في مؤشرات الحكومة الرقمية، لتصبح ضمن أفضل ثلاثين دولة في الإدارة والحوكمة الإلكترونية.

 نداء الأمل والمسؤولية

فخامة الرئيس،

إن المصريين الذين وقفوا خلفكم في 2014 وعبَروا معكم أصعب المراحل، ينتظرون منكم اليوم أن تقودوا ثورة الإصلاح الإداري والرقمي، لأنها ثورة البقاء والنهضة الحقيقية.

إن التاريخ سيذكر من يضع الأساس لدولة حديثة تُدار بالكفاءة والمعرفة، لا من يكتفي بإعمار الحجر دون إصلاح الإنسان والنظام.

فهذه الرحلة — من العقل إلى التقنية — ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة وجودية.

فالدول التي رقمنت التخلف فشلت، أما التي رقمنت الإصلاح فنجحت.

ولن تكون مصر دولة رقمية بحق إلا إذا بدأ الإصلاح من العقول التي تديرها قبل المنصات التي تُظهرها.

ولأننا أبناء حضارة كتبت التاريخ قبل سبعة آلاف عام، فحريّ بنا أن نكتب فصلًا جديدًا في نهضة الإدارة والرقمنة، ليعود اسم مصر منارة للحكم الرشيد والإدارة العصرية.

حفظ الله مصر،

ووفق قيادتها لما فيه الخير والرفعة.

مع خالص التقدير والاحترام،


التحرر من البيروقراطية، الحوكمة الرقمية،التحول الرقمي