هل تستغني السويد عن العملات الورقية ؟
منذ أكثر من 360 عامًا، كانت السويد أول دولة أوروبية تُصدر أوراقًا نقدية عام 1661م، واليوم تتصدر المشهد المالي مرة أخرى، لكن هذه المرة عبر تقليص دور النقد إلى حد شبه معدوم، ففي عام 2022م، لم يستخدم النقود سوى 8% من السكان، بينما انخفضت كمية العملات المتداولة إلى النصف مقارنة بعام 2007م.
أصبح الاعتماد على المحافظ الرقمية، والتحويلات الفورية عبر الهواتف، والتقنيات البيومترية واقعًا يوميًّا، مما جعل التعاملات أكثر سرعة وسلاسة، لكن هذا التحول السريع أثار تساؤلات مهمة: كيف يمكن بناء نظام مالي بلا نقد ويظل آمنًا وشاملًا للجميع؟
يمتلك النظام المالي السويدي أصولًا هائلة بلغت 8 تريليونات كرونة حتى نهاية 2024م، أي ما يعادل 12 ضعف الناتج المحلي، وتتصدر المشهد بنوك كبرى مثل SEB وHandelsbanken وSwedbank، إلى جانب شركات "الفنتك" مثل Klarna وTink وTrustly، كما تنتشر تطبيقات مثل Swish الذي يستخدمه أكثر من 80% من السكان للتحويلات الفورية.
تعود جذور الفكرة إلى سلسلة من السرقات في التسعينيات دفعت البلاد لتقليل الاعتماد على الأموال الورقية، وفي 2012م ظهر تطبيق Swish المعتمد على خدمة الهوية الرقمية BankID، التي يستخدمها المواطن يوميًّا عشرات المرات في مختلف معاملاته، من دفع التذاكر إلى توقيع العقود، وقد سهلت القوانين المحلية هذا الانتقال؛ فالمتاجر مثلًا يمكنها قانونيًّا رفض النقد ما دامت تُعلن ذلك مسبقًا، كما عززت جائحة كورونا الابتعاد عن العملات الورقية باعتبارها مصدر خطر صحي.
الحياة اليومية في السويد تسير بانسيابية دون نقد، من المقاهي إلى الأسواق المفتوحة، الجميع يقبل التحويلات الرقمية أو البطاقات، مما يقلل الانتظار ويُبسّط الفواتير لكن في المقابل، تبرز عدة تحديات كالجرائم المالية الرقمية، فالاحتيال الإلكتروني أصبح أسرع الجرائم نموًا، مع ارتفاع الاحتيال ببطاقات الدفع بنسبة 44% بين 2022م و2023م، والفجوة المالية، فكبار السن وغير المتمكنين رقميًّا يواجهون صعوبة في التكيف، مما يهدد باستبعادهم من النظام المالي، وغياب النقد في الأزمات فالاعتماد الكامل على الشبكات يجعل المجتمع مكشوفًا عند حدوث كوارث أو انقطاع الكهرباء. استجابة لهذه المخاطر، أقر البنك المركزي السويدي عام 2023م قانونًا يلزمه بالحفاظ على مخازن للنقد كخيار استراتيجي في الطوارئ، كما يدرس إطلاق عملة رقمية وطنية E-Krona؛ لتقليل الاعتماد على البنوك الخاصة وتعزيز الشمول المالي، وفي الوقت نفسه بدأ تشغيل نظام RIX-INST للمدفوعات الفورية، كبديل يقلل من الاعتماد على تطبيق Swish وحده.
تجربة السويد تُظهر أن التحول لمجتمع بلا نقد ممكن وسريع وفعّال، لكنه محفوف بالمخاطر، والتوازن بين الابتكار والأمان، وبين الكفاءة والشمول، هو التحدي الحقيقي، ومن هنا تُلهم التجربة السويدية العالم لكنها تُحذر في الوقت ذاته: الرقمنة جميلة، لكن الأهم ألّا نترك أحدًا خلفنا.
السويد مجتمع بلا نقود ، اختفاء الأوراق النقدية ،المحافظ الرقمية، التحويلات الفورية
