الإصلاح ممكن: نموذج تلال الفسطاط
يمثل افتتاح حدائق تلال الفسطاط أمس في قلب مصر التاريخية—بجوار القلعة ومسجد عمرو بن العاص ومتحف الحضارات—إنجازًا معماريًا وحضاريًا يستحق الإشادة. فالمكان الذي ظل لعقود طويلة منطقة عشوائية ومكبًا للقمامة تحوّل اليوم إلى متنفس أخضر واسع تحتاجه القاهرة بشدة، في امتداد طبيعي لحديقة الأزهر.
ومن هذا المشروع يمكن استخلاص عدة دروس مهمة:
- منهج راقٍ في التعامل مع الإخلاء والتطوير
اعتمدت الدولة في تلال الفسطاط أسلوبًا إنسانيًا راقيًا في التعامل مع السكان الذين تم إخلاء مناطقهم، وتم توفير مساكن جديدة أفضل عشرات المرات مما عاشوا فيه. والسؤال الطبيعي: لماذا لا يُعمم هذا النهج في مشروعات أخرى مثل جزيرة الوراق ونزلة السمان؟ ولماذا تُستخدم أحيانًا القوة ومظاهر الأمن في مواجهة أهالٍ غير مقتنعين بالتعويض أو الانتقال؟ التجربة هنا تقول إن الحلول الهادئة والعادلة أكفأ وأقل تكلفة على الجميع.
- رسالة مباشرة للمواطن… وليست رمزية
رغم ضخ عشرات المليارات في مشروعات كالعاصمة الإدارية (يُقال 50 مليار دولار)، والقطار السريع (12 مليار دولار)، والمونوريل (4 مليارات دولار)، لم يلمس المواطن البسيط أثرًا حقيقيًا على حياته اليومية. أما مشروع تلال الفسطاط، وهو مساحة خضراء تعادل عشرة أضعاف حديقة الأزهر، فقد أرسل رسالة واضحة: الدولة تحترم آدميتك وحقك في متنزه قريب منك.
في المقابل، وبعد عشر سنوات من العمل، لم تتجاوز أعداد سكان العاصمة الإدارية نحو 50 ألف شخص، ما يجعل جدواها الاجتماعية موضع تساؤل.
- الاعتراف بالأخطاء خطوة أولى نحو الإصلاح
ليس ضعفًا أن نعترف بالأخطاء ونحن نحتفي بإنجاز جيد. بل إن الاعتراف الصادق هو بداية أي إصلاح حقيقي—سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا. من دون مصارحة حقيقية لن تتحرك عجلة الإصلاح، ولن تنضج الأفكار أو تتكامل الحلول التي تحتاجها مصر لعبور المرحلة المقبلة.
وأخيرًا، أتمنى أن تُدرج حديقة تلال الفسطاط—إلى جانب افتتاح المتحف المصري الكبير—ضمن أهم خمسة إنجازات في فترة حكم الرئيس السيسي. فالمشروع ببساطة انحاز للمواطن، وحقق أثرًا مباشرًا على جودة الحياة، دون فشخرة أو مبانٍ عملاقة أو كبارٍي ضخمة، بل مساحات خضراء هادئة يحتاجها الإنسان قبل أي شيء.
تلال الفسطاط، متنفس أخضر ، الإخلاء والتطوير ، الاعتراف بالأخطاء
