من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

حكم زيارة الأضرحة والتوسّل بالأولياء

فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية في الخمسينيات
حكم زيارة الأضرحة والتوسّل بالأولياء

```دارُ الإفتاءِ المصريَّة

بيانٌ وفتوى رقم (٣٥٤) – سجلّ: ٧٨

بتاريخ: ١٧ / ٣ / ١٩٥٧م

الصادر عن فضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون – مفتي الديار المصريّة.

تمهيد:

حتى يكون الناسُ على بيِّنةٍ من أمورِ دينهم، فقد وُجِّه إلى فضيلة الشيخ حسن مأمون – مفتي الديار المصريّة آنذاك – سؤالان هامّان يتعلّقان بموضوع زيارة الأضرحة والتوسّل بالأولياء، فأجاب فضيلتُه بما يلي:

*السؤال الأوّل:

ما حكمُ الشرع في زيارة الأضرحة – أضرحة الأولياء – والطواف بالمقصورة وتقبيلها والتوسّل بالأولياء؟


* الجواب:

أودّ أن أُذكّر أوّلًا أنّ أصل الدعوة الإسلاميّة يقوم على التوحيد الخالص، وأنّ الإسلام يُحارب جاهدًا كلَّ ما يُقرِّب الإنسانَ من مزالق الشِّرك بالله تعالى.

ولا ريب أنّ التوسّل بالأضرحة والموتى أحدُ هذه المزالق، وهو من رواسب الجاهليّة؛ لأنّ المشركين الأوائل كانوا يقولون في تبرير عبادتهم للأصنام:

﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣].

وهي نفسُ الحجّة التي يذكرها اليومَ بعضُ من يدعون إلى التوسّل بالأولياء لقضاء حاجةٍ عند الله أو للتقرّب منه سبحانه.

ومن مظاهر هذه الزيارات ما يتنافى مع العبادات الإسلاميّة الثابتة؛ فـالطوافُ في الإسلام والتقبيلُ لم يُشرعا إلا للكعبة المشرفة والحجر الأسود، وحتى الحجر الأسود لم يُشرع تقبيلُه إلا اتباعًا للرسول ﷺ، لا تعبّدًا له ولا استعانةً به.

فمن قال عند قبرِ أحدِ الأولياء – مثلًا –:

«يا حسينُ، ادعُ اللهَ لي أن يَشفي مريضي»،

فقد أتى شركًا أكبر، لأنّه دعاءٌ لغير الله، والله تعالى يقول:

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ، وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: ١٤].

وقال النبيّ ﷺ:

«الدعاءُ هو العبادة» (رواه الترمذي وأبو داود).

فـدعاءُ الأموات وطلبُ الحوائجِ منهم – دنيويّةً كانت أو أُخرويّة – شركٌ أكبر لا يغفره الله تعالى؛ لأنّ هذا الطلبَ لا يقدر عليه إلا اللهُ وحده.

والدعاءُ عبادة، وصرفُ العبادةِ لغير الله شركٌ أكبر.

فدعاءُ الأموات بكلّ صورةٍ من صُوَره عبادةٌ مصروفةٌ لغير الله ابتداءً، وإلّا فما الشِّركُ إن لم يكن هذا شركًا؟!

ولا فرقَ بين دعاءِ الأموات مباشرةً، وبين دعائهم لطلب دعائهم، فكلاهما دعاءٌ للأموات، وكلاهما شركٌ أكبر.

والأدلّةُ الشرعيّةُ لا تُفرِّق بين الحالتين، بل هي عامّةٌ فيهما معًا، ومن فرَّق بينهما فعليه الدليل.

ولا شكّ أنّ غرضَ من يطلب الدعاء من هؤلاء هو تعظيمُهم واعتقادُ أنّ حاجتَه تُقضى بدعوتِهم أو شفاعتِهم، وهذا بعينه هو الشِّرك الأكبر الذي وقع فيه مشركو قريشٍ وأمثالُهم.

*السؤال الثاني:

ما حُكمُ التوسّل المشروع، وما الفرقُ بينه وبين التوسّل الممنوع؟

* الجواب:

التوسّلُ المشروع هو ما دلَّ عليه الشرعُ الصحيح، ويكون على ثلاثة أنواع لا رابعَ لها:

 1. التوسّل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، كأن يقول الداعي:

اللهمّ إنّي أسألك برحمتك أن تغفر لي، أو اللهمّ إنّي أسألك باسمك الأعظم أن ترحمني، وهذا مشروعٌ ثابتٌ في القرآن والسنة.

 2. التوسّل إلى الله بالأعمال الصالحة، كما في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فتوسّل كلّ واحدٍ منهم بعملٍ صالحٍ خالصٍ لله، ففرّج اللهُ عنهم.

 3. التوسّل بدعاء الرجل الصالح الحيّ الحاضر، كما كان الصحابةُ يتوسّلون بدعاءِ النبيِّ ﷺ في حياتِه، لا بذاتِه بعد وفاته.

أما التوسّل بالذوات والأموات أو الاستغاثةُ بهم، أو طلبُ الحاجات منهم، فهو باطلٌ وشركٌ محرَّم لا يقرّه الشرعُ بحالٍ، لأنّه صرفُ نوعٍ من العبادة لغير الله تعالى.

قال الله عزّ وجلّ:

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجنّ: ١٨].

وقال سبحانه:

﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ٢٢].

فالواجبُ على المسلم أن يُخلِصَ دعاءَه وعبادتَه لله وحده، وألاّ يصرف شيئًا منها لغيره، قال تعالى:

﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غافر: ١٤].

* خاتمة البيان:

إنّ زيارة القبور – على الوجه الشرعيّ – مستحبّةٌ للعظة والعِبرة، لا للعبادة ولا لقضاء الحوائج.

فمن زارها ليعتبر ويتذكّر الآخرة، فزيارتُه مشروعة مأجورٌ عليها.

ومن زارها للتبرّك بالأموات أو لدعائهم أو لقضاء الحاجات عن طريقهم، فقد أشرك بالله شركًا أكبر.

نسأل اللهَ تعالى أن يُبصِّر المسلمين بدينهم، ويهديَهم إلى الصراط المستقيم، ويجنِّبَهم مزالق الشرك والبدع والضلال.


 فضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون

مفتي الديار المصريّة

صدر في: ١٧ مارس سنة ١٩٥٧م

فتوى رقم (٣٥٤) – سجلّ: ٧٨```

رواسب الجاهلية ، الدعاء لغير الله شرك ، التوسل بالأموات باطل ومحرم