من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

النسبية المعرفية

وليد الخشاب
النسبية المعرفية

من عرف الدكتور نصر حامد أبو زيد يذكر أنه رحمه الله كان خفيف الظل. والإنصات لنصر يلقي ورقة بين أهله وأحبابه في جامعة القاهرة مثلا كان متعة للعين والأذن معا, وليس فقط غذاء للعقل.

هل كانت هذه مجرد سمة شخصية لا ترقى إلى استخدامها مدخلا لفهم منهج نصر؟ أم أن تأمل ضحكة نصر يمكن أن يكشف لنا أحد الأسس المعرفية لإنتاجه الفكري؟ لم تكن الفكاهة أو السخرية عند نصر مجرد حلية بلاغية تحلي مضمونا وتحببه إلى السامعين, ولا حيلة بلاغية يسدد بها ضربة إلى خصومه في سجال أو جدال. أزعم أن الضحك عند نصر -وهو ملمح كثيرا ما اختفى من الإنتاج المطبوع للراحل الكبير- يشكل واحدا من القواعد المعرفية لمنهجه, يرتبط بالمفارقة. وهو ملمح وثيق الصلة بسياسة الفرح وبلاغة الأمل وأداء المثال الذي يحتذى عند نصر حامد أبو زيد في مقاربته للتراث.

تأمل خفة ظل نصر أبو زيد بوصفها مبدأ معرفيا يطرح سؤال المفارقة. هل كل فكاهة مفارقة؟ وهل كل مفارقة مضحكة؟ 

وربما كان بحثنا مثمرا إن ركز على بعض المفارقات الدالة علميا والمضحكة بلاغيا معا.

تشبيه أبي بكر بالرأسمالي وعمر بالشيوعي قد يضحكنا نظرا للمسافة الزمنية والمفهومية بين فكرة الرأسمالية الحديثة التي ربما أرجعناها للقرن 14 على أقدم الفروض وبين زمن أبي بكر في القرن 7. ثم إن أبا بكر كان تاجرا, لكن وصفه برأسمالي يتجاوز بمسافة ما نعرفه عن حجم ثروته وعن تأثيرها في علاقات الإنتاج في مجتمعه.

بعيدا عن المضحك في تلك المسافة أو المفارقة, نرى أن نصرا يفتح بابا للمساءلة المعرفية. ويطرح سؤال السياق واللازمنية. هل يستقيم أن نسقط مفاهيم وسياقات القرن العشرين على القرن السابع؟ يخلص نصر إلى أن خطاب التراث ونصوصه لابد من مقاربتها بمفاهيم سياق التراث.

هل يفتح بذلك باب النسبية المعرفية؟ 

نصر أبو زيد ، الفكاهة ، السخرية ، المساءلة المعرفية، مقاربة التراث