من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الحامل الصامت للمرض في علم الأوبئة

القاهرة : " نقاش "
الحامل الصامت للمرض في علم الأوبئة


كثيرا ما نسمع عن عائلة رزقت بطفل جديد، ويأتي الاقارب والاصدقاء محملين بالتهاني والفرح.

يحملون الطفل، يضمونه، يقبلونه، معتقدين ان محبتهم تصل اليه بهذه الطريقة.

وبمجرد ان يغادر الجميع ويعود البيت الى هدوئه، يبدأ الطفل بالتغير: انزعاج غير مفهوم، بكاء لا يتوقف، حرارة ترتفع فجأة، ونوم مضطرب.

وفي بعض الحالات، لا تمر ايام قليلة حتى تفجع العائلة بوفاة طفل لم تظهر عليه اي علامة خطر قبل ذلك.

غالبا لا يخطر ببالهم ان احد الزوار حمل معه ميكروبا بسيطا لا يشعر به، لكنه قاتل لرضيع جهازه المناعي ما زال في بدايته.

ومع غياب الوعي، يسارع البعض الى تفسير ما حدث بالعين والحسد او السحر، بينما الحقيقة اقرب واقسى.

ولكي تتضح الصورة، دعوني اروي لكم قصة تكشف لكم خطورة العدوى البكتيرية عندما لا تظهر عل

 صاحبها ولكنه حامل للمرض 

كانت هناك طاهية اسمها ماري مالون تعمل طباخة في بيوت نيويورك الثرية مطلع القرن العشرين.

تدخل منزلا جديدا، تعد الطعام بمحبة وثقة، وبعد ايام يبدأ افراد العائلة بالاصابة بحمى شديدة واسهال حاد.

تنتقل ماري الى بيت اخر، وتتكرر الحكاية كما لو ان المرض يسافر معها. 

الاطباء في ذلك الزمن كانوا مقتنعين ان التيفويد لا يصيب الا الاحياء الفقيرة ومصادر المياه الملوثة،

لذلك لم يخطر ببالهم ان يبحثوا خلف الابواب الانيقة للعائلات الميسورة التي تعيش في ظروف صحية جيدة.

لكن الواقع كان يعاند كل النظريات: المرض يستمر، والاصابات تتكرر، والبيئة لا تفسر ما يحدث.

عندها دخل جورج سوبر المشهد، بخبرة اقرب الى عمل المحقق منه الى الطبيب.

بدأ يتتبع اماكن عمل ماري خطوة بخطوة، جمع تواريخ المرض لكل عائلة،

ثم وضعها على خط زمني واحد لتظهر الصدمة:

كل الاصابات كانت تبدأ بعد وصول ماري الى المطبخ مباشرة.

كانت ماري تحمل بكتيريا التيفويد في جسدها دون ان تشعر،

صحية تماما لكن قادرة على نقل العدوى عبر الطعام الذي تعده.

لم يكن احد يتخيل ان الشخص الذي يبدو بابهى صحة قد يكون حلقة عدوى كاملة.

وعندما ابتعدت عن الطبخ، اختفت الاصابات،

وحين عادت للعمل سرا، عاد المرض في النمط نفسه وبالجدول نفسه،

كما لو ان العدوى كانت تلحق بخطواتها دون ان تنتبه.

كان هذا الاكتشاف كافيا ليقلب فهم الاطباء للمرض،

ويفتح الباب لأول مرة امام مفهوم الحامل الصامت في علم الاوبئة. 

معلومات صادمة حول ما حدث لماري بعد اكتشاف دورها في نشر المرض:

بعد تتبع القصة كاملة، اطلق عليها الناس لقب ماري التيفوئيد،

المرأة التي تنقل المرض دون ان تمرض.

عندما رفضت استئصال المرارة – وهو الاجراء الذي اعتقد الاطباء انه قد يوقف حملها للبكتيريا –

قامت السلطات الامريكية بعزلها صحيا لمدة ثلاث سنوات كاملة.

وبعد مفاوضات طويلة، تم الافراج عنها بشرط ان تترك العمل في الطهي نهائيا.

لكن ماري عادت للعمل باسم مستعار بعد سنوات قليلة،

وعادت معها الاصابات الجديدة بالمرض.

وما ان اكتشفت السلطات ذلك حتى قامت بعزلها مرة اخرى،

لكن هذه المرة لمدة ثلاثة وعشرين عاما متواصلة.

#نقاش_دوت_نت 

حرارة مرتفعة ، نوم مضطرب ، بكاء لا يتوقف ، بكتريا التيفود