من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

فاتسلاف هافيل !

عاطف معتمد
فاتسلاف هافيل !

غير بعيد عن جامعة القاهرة في الجيزة تقع سفارتان، الأولى على مرمى حجر والثانية على مسافة خطوتين.

أما التي على مرمى حجر فهي السفارة الروسية التي تبدو منذ أيام الاتحاد السوفيتي قلعة حصينة على نهر النيل. 

أما التي على مسافة خطوتين فهي سفارة جمهورية التشيك، التي ظلت سنوات طويلة معروفة في مصر باسمها القديم "تشيكوسلوفاكيا"حين كانت تضم القوميتين الأوروبيتين معا "التشيك+ السلوفاك" قبل انفصالهما إلى دولتين.

لدى السفارة الروسية مركز ثقافي شهير يقدم خدماته للجمهور، بينما سفارة التشيك غير معروفة بمركز ثقافي في الشارع المصري، ومن ثم فقد توصلت في السنوات العشر الأخيرة إلى تحويل السور الخارجي لمبنى السفارة إلى معرض مفتوح يمكن للعابرين في شارع الدقي التوقف والتأمل في اللوحات والصور.

قبل عدة أشهر أقامت السفارة معرضا كبيرا عرفت فيه المارين بالشارع بدور البعثة الأثرية التشيكية العاملة في مصر وما توصلت إليه من كشوف في علم الآثار وما أسهمت به في علم المصريات.

يوم أمس كان الطقس مشجعا على التسكع بعد انتهاء المحاضرات. خرجت من الجامعة قبيل الغروب وأمضيت نحو ربع الساعة أتفرج على اللوحات الجديدة التي نصبتها السفارة التشيكية على سورها المواجه لتمثال أحمد شوقي في حي الدقي.


10 بورتريهات برتقالية تضم عشرين صورة فوتوغرافية تحمل اسم "فاتسلاف هافيل".

تفترض السفارة التشيكية أن المواطن المصري لديه معلومات مثل المواطن الأوروبي، وحين يقرأ اسم فاتسلاف هافيل سيعرف من هو وماذا كان دوره في تاريخ أوروبا السياسي الحديث.

تحمل اللوحات صورا من الأرشيف التشيكي لسنوات مختلفة من حياة هافيل منذ أن كان طفلا وحتى سنوات عمره الأخيرة. 

تبدأ الصور بعبارة يقول فيها هافيل "نعم نشأت في أسرة برجوازية للغاية، من الطبقة الراقية جدا، وكنت مدللا ..لكن ذلك جلب علينا وبالا حين تسبب الصراع الطبقي في حرماني وأخي من الدراسة".

في اللوحات الباقية قصة اشتراك هافيل في الثورة ضد الشيوعية وإسقاط النظام التابع لموسكو.

لا تقول اللوحات كلمة عن صعود هافيل إلى سدة الرئاسة في التشيك وكيف ساهم في تغيير مصير تشيكوسلوفاكيا وشرق أوروبا وربما أوروبا بأسرها.

تتوقف اللوحات المصورة عند الجانب الإنساني والصور النادرة في حياة هافيل.

بعقلية قارئ كلاسيكي قلت في نفسي إن اللوحات صممت لتناسب السفارات التشيكية في أوروبا، فالكل هناك يعرف فاتسلاف هافيل الذي ساهم في تغيير مصير تلك القارة في العصر الحديث.

لكني سرعان ما تقمصت دور شاب عشريني وفتحت الإنترنت على هاتفي المحمول وكتبت اسم فاتسلاف هافيل باللغة العربية ثم باللغة الإنجليزية ووجدت فيضا من المعلومات كلها ترصد القصة المضيئة لصعود هافيل منذ أن كان كاتبا مسرحيا في تشيكوسلافاكيا ذات النهج الاشتراكي التابع لموسكو. ثم انضمامه للثورة واعتقاله عدة مرات كان أطولها 4 سنوات ثم خروجه من السجن ليصبح رئيسيا للبلاد.

في عام 2009 كنت قد زرت التشيك، وأخذت أتجول بين دور النشر والمكتبات فاستوقفني كتاب جديد يحكي قصة حياة هافيل عنوانه "من السجن إلى القلعة". 

والقلعة هنا هي مقر الحكم في البلاد، أي أن العنوان الأدبي يقول "من زنزانة السجن إلى القصر الرئاسي".

أكملت تسكعي بعد محاضرة المساء في الجامعة وحين جاءت أول فرصة للجلوس لتناول فنجان قهوة فكرت أن أبحث بكلمات مفتاحية أخرى وكتبت في الإنترنت "نقد فاتسلاف هافيل" .

جاءتني مقالات كتبت بعد وفاة هافيل، أهمها مقالة تنتقد تحول هافيل خلال فترته الرئاسية لدعم القطاع الخاص على حساب القطاع العام والطبقات الفقيرة، يذهب المؤلف الناقد إلى إن هافيل ارتد إلى أصوله الطبقية واهتم برجال الأعمال على حساب الشعب. يعدد مؤلف المقال صمت هافيل عن قصف الناتو صربيا جارته القريبة وتأييده التحالف الدولي لضرب العراق. 

بعض الصفحات المحايدة تقول إن هافيل في سنوات رئاسته الأخيرة كان نجما في السياسة الخارجية وتراجع في السياسة الداخلية.

قلبت في هاتفي المحمول الذي أخذت بعدسته صورا للوحات الفنية من سور السفارة.

كنت قد سألت الحارس المصري على باب السفارة: هل مسموح بالتصوير؟ فأجابني "لقد وضعوها في الشارع كي يصورها الناس.

تنقلت بين الصور التي التقطتها واحدة تلو الأخرى ولاحظت أن من صمم هذا المعرض الفني كان على صواب حين تجنب الحديث عن أي مسار سياسي، وركز على الجانب الإنساني في حياة تلك الشخصية الشهيرة.

وقبل أن أغادر المقهى أغلقت آخر مقال على الإنترنت عن هافيل، وهو عرض لكتاب مفصل عنوانه " ثلاثة مستويات من إرث هافيل: السياسي والفلسفي والأدبي".

غادرت المقهى قاصدا العودة إلى بيتي وقلت لنفسي: يجب أن اكتب كل هذا قبل أن أخلد للنوم.

عدت للبيت وجلست أمام شاشة الحاسوب ولكني لم أستطع ان أكتب كلمة، أخذت دشا ساخنا وتناولت أدويتي الجديدة وقلت لنفسي: "لن يحدث أي شيء لو انتظر هافيل حتى الصباح".

#نقاش_دوت_نت 

سفارة التشيك، من السجن إلى القلعة، البعثة الأثرية التشيكية، النهح الاشتراكي، قصف الناتو صربيا، التحالف الدولي ضد العراق