من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

رحلة تأمل بين الحياة الدنيا والآخرة

ياسر ذكي
رحلة تأمل بين الحياة الدنيا والآخرة



آه من دنيا تسحرنا بمفاتنها وتغوينا بما تحتويه، قلب يغرق في عشقها بينما العقل يرفض أن يستسلم لبريقها الزائف. هي التي أسرت قلوب عشاقها وأسقطتهم في شباك حب يائس، ثم تركتهم خلفها خائبين. فلا تأمن، يا صاحبي، لما تقدمه الدنيا، فهي دار زوال وفناء، لا يبقى منها شيء إلا ما كان طيبًا وحلالاً. ومن عرف حقيقتها وعمل صالحًا فيما تحتويه، سينال عند الآخرة جزاءً حسنًا يُرضي قلبه وروحه. آه، كم خدعتني هذه الدنيا! غرقت فيها، فسلمت لها قلبي، لكنها في النهاية ركلتني كما يُركل الغبار.  

دخلنا إلى هذه الدنيا على عجل، وسنخرج منها على نفس السرعة، ولن نأخذ معنا سوى أعمالنا التي تُرضي الخالق. كنا نحلم في طفولتنا بأن نكبر لنعيش فرحة الدنيا واستمتاعها، وحين كبرنا وأرهقنا العمر أخذنا نسترجع ذكريات أيام الطفولة ونتمنى العودة لتلك البراءة والبساطة.  

جوهر الدنيا أنها دار مؤقتة وسريعة الزوال؛ هي ليست أكثر من لحظات تمر وذكريات تتلاشى، مليئة باللهو والزينة وباختبارات العناء والسعي لتحقيق النجاح. لكنها أيضاً فرصة لا تعوض للاستعداد لدار القرار، الحياة الآخرة التي لا فناء لها. نعيمها أو شقاؤها مرهون بما نقدمه في هذه الحياة القصيرة، ومن الأفضل أن نجعل هدفنا هو العمل الصالح عوضًا عن اللهاث وراء متاعٍ زائل لا يدوم.  

الدنيا زائفة وقصيرة كالمطر الذي يهطل ليُنبت الأرض ثم يذبل النبات سريعًا ويفنى. تُشبه حلمًا خاطفًا أو ظلاً يتحرك ويتلاشى حين نحاول الاقتراب منه. هي مقام المؤقت والزينة العابرة والتفاخر الذي لا قيمة له في الجوهر. لكنها تقودنا أحيانًا إلى وهم النجاح إذا استغرقنا في زيفها ونسينا حقيقتها.

ورغم صعوبة الطريق ومتاعب الحياة، يستطيع الإنسان تحويل هزائمه إلى دروس وحجارة يضعها كدرج يصعد به نحو قمم النجاح. فالحياة الحقيقية ليست في هذا العالم، وإنما في الدار الآخرة، حيث البقاء والخلود. كما قال الله: "وأمر الآخرة أبقى."

على كل إنسان أن يعد نفسه لتلك الدار الأبدية عبر العبادة والعمل الصالح، مبتعدًا عن متاع الدنيا الذي يُنسيه غايته الأسمى. الآية الكريمة في سورة الحديد تذكرنا بحقيقة هذه الدنيا وهدف وجودنا فيها.

ورغم ذلك، تبقى في الدنيا لحظات جميلة يمكن أن تنير حياتنا، مثل الحب الذي يَرْبُت على القلوب ويمنح الأمان والأمل. أن تجد شخصًا يحبك بصدق، ويغنيك عن العالم وما فيه، فتشعر أنه رزق يملأ حياتك بالجمال والسكينة.