من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

الألم رسالة وليس ضيفا عابرا

عبود آل زاحم
الألم رسالة وليس ضيفا عابرا


قصتي التي قد لا تهمّ الكثير… لكنها بالنسبة لي أعظم تذكير بنعمة نغفل عنها كثيرًا.

نعمة السمع… نعمة لا نشعر بقيمتها إلا حين يختلّ صوت الحياة من حولنا.

نحن نعيش أيامنا غالبًا في سباقٍ مع العمل، المواعيد، الاجتماعات، الالتزامات، والضوضاء اليومية… لكن قليلًا منّا يقف ليسمع نفسه، أو يلتفت إلى جسده، أو يعطي صحته قدرًا من الاهتمام الذي تستحقه.

ولأن الإنسان لا يتعلّم أحيانًا إلا عبر التجارب التي تربّيه قبل أن تُربكه… مررت بتجربة جعلتني أعيد ترتيب كثير من المعاني.

بدأت الحكاية فجأة، وبدون أي مقدمات.

ألم شديد في منطقة قرنيات الجيوب الأنفية… شعور غريب لا يمكن تجاهله… ومع الأيام لاحظت أن شيئًا ما ليس على ما يرام. بدأت أفقد القدرة على السمع في الأذن اليسرى بشكل تدريجي. أصوات الاجتماعات أصبحت متداخلة… الزيارات العائلية صارت أقل وضوحًا… والأحاديث التي كانت تُسمع بوضوح أصبحت تمرّ كأنها قادمة من بعيد.

كنت في موقعي المهني دائمًا قريبًا من الناس… أستمع، أحاور، أشرح، أتواصل… لكن فجأة يصبح السمع نعمة مهددة، ويصبح الحديث مع الآخرين تحديًا حقيقيًا. عندها فقط تدرك أن التفاصيل الصغيرة ليست صغيرة أبدًا.

قررت ألّا أتجاهل الأمر. ذهبت إلى الطبيب السعودي المتميز الدكتور محمد العولة، الذي استمع لي بكل اهتمام، وأجرى الفحوصات اللازمة، ثم أخبرني بكل شفافية:

عصب السمع تضرر بسبب التهابات القرنية… ويجب التدخل الجراحي.

لحظة سماع هذا الخبر لم تكن سهلة، ليس خوفًا من الإجراء الطبي نفسه… بل لأن الفكرة تضرب في عمق الإنسان:

كيف يمكن أن يفقد أحدنا شيئًا كان يعتبره بديهيًا؟

كيف يمكن أن ينكسر جزء من حياتك اليومية بدون سابق إنذار؟

لكن مع الإيمان، ومع الدعم، ومع علم وخبرة أبناء هذا الوطن الذين نفخر بهم، تم تحديد موعد العملية، وتمت – ولله الحمد – بكل نجاح.

واليوم، وأنا في مرحلة التعافي، أدرك أنني لم أخرج من العملية فقط بصحة أفضل… بل خرجت بمعرفة أعمق:

لا تترك جسدك يصرخ بصوتٍ خافت حتى ينهار.

راقب نفسك… كل يوم.

ولا تُهمل الألم… فالألم رسالة، وليس ضيفًا عابرًا.

هذه التجربة جعلتني أقدّر النعم التي نعيش بها دون أن نشعر بها: نعمة السمع، نعمة الصحة، نعمة الطب المتقدم، ونعمة وجود أطباء أكفاء من أبناء وطننا.

علمتني أنّ قوتنا ليست في أن نتجاهل ضعفنا… بل في أن نواجهه، ونسعى للعلاج، ونتوكل على اللــــــــه ثم على أهل الخبرة.

ولمن يقرأ هذا اليوم:

اعتنِ بصحتك مهما كنت مشغولًا.

لا تؤجل زيارة الطبيب.

لا تقل “بسيطة”.

فهناك أمور تبدأ بسيطة… وتنتهي بثمنٍ أكبر مما تتوقع.

اللهم متّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا.

اللهم ربّ الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا.

هذه ليست مجرد قصة صحية…

هذه عِبرة، ووقفة، وتذكير بأن الحياة تُدار بنعمٍ لا تُشترى، وُهبت لنا لنحفظها… لا لنغفل عنها

#نقاش_دوت_نت 

ترتيب المعاني، الضوضاء اليومية، التفاصيل الصغيرة، محمد العولة، العصب السمعي، التهابات القرنية