من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

كيف تحولت اليابان من تنين مرعب إلى قطة مدللة ؟

د براك القلاف
كيف تحولت اليابان من تنين مرعب إلى قطة مدللة ؟


‏في أواخر الثمانينيات، بدت طوكيو كأنها عاصمة المستقبل نفسه، أضواء النيون في غينزا تتراقص على وجوه المارة، والأرض تحت القصر الإمبراطوري تُقدَّر بأكثر من كاليفورنيا كلها. كان العالم يهمس: القرن القادم ياباني لا محالة.

لكن واشنطن لم تكن لتقبل بهذا الحلم. في سبتمبر 1985، داخل جناح فندق بلازا الفاخر في نيويورك، جُمعت الدول الخمس الكبرى وأُجبرت اليابان على توقيع وثيقة رفعت الين بضعفين تقريباً، انهارت ميزة التصدير اليابانية بين ليلة وضحاها، لإنقاذ الاقتصاد، فتح بنك اليابان الصنابير: فوائد شبه صفرية، سيولة لا نهائية، فانتفخت فقاعة الأسهم والعقارية حتى انفجرت مطلع التسعينيات، تاركةً وراءها جبال ديون وثلاثة عقود ضائعة.

لم تكتفِ أمريكا بذلك، في الوقت نفسه، كانت اليابان تسيطر على 50% من سوق أشباه الموصلات العالمية، مهددةً أمن أمريكا التكنولوجي، فجاءت الضربة الثانية: رسوم جمركية 100% على الإلكترونيات اليابانية، واتفاقية إذلال تُلزم طوكيو بحصة محددة في سوقها الداخلي، ترنّحت شركات الرقائق اليابانية، فاندفعت كوريا الجنوبية وتايوان – بدعم أمريكي صريح – لتملأ الفراغ.


أما الضربة القاضية فكانت من الداخل، انعزلت اليابان تكنولوجياً كجزر غالاباغوس، مفتونةً بتحسين الأجهزة بينما كان العالم يركض نحو البرمجيات والإنترنت وحين رفع ستيف جوبز الآيفون عام 2007، ابتسمت الشركات اليابانية بتعالٍ ثم استيقظت على كابوس: سامسونج وآبل يلتهمان السوق، وسوني وتوشيبا تتفرجان من بعيد.

وكأن كل ذلك لم يكفِ، ضربت القنبلة الديموغرافية: شعب يشيخ بسرعة، مديرون في السبعين يخافون المجازفة، شباب قليل يحلم بأن يصبح موظفاً آمناً لا رائداً مجنوناً.

هكذا تحولت اليابان من تنين يرعب الغرب إلى قطة مدللة ثرية هادئة، تدور في فلك واشنطن بسلام، لم يكن سقوطها مجرد خطأ داخلي، بل عملية احتواء نفذت ببراعة: ضربة مالية في بلازا، طعنة تكنولوجية في وادي السيليكون، وتركها تواجه شيخوختها وكبرياءها وحدها.

بقيت طوكيو جميلة، لكنها لم تعد مخيفة.

#نقاش_دوت_نت 

اليابان، أمريكا، فقاعة الأسهم، بنك اليابان، أشباه الموصلات، الرسوم الجمركية، ستيف جوبز،