التصدي للشائعات
قرأت اليوم البيان الصحفي الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء حول مناقشة المجلس للوسائل القانونية لتعزيز منظومة التصدي للشائعات والأخبار الكاذبة، ورغم أن البيان ليس وسيلةً كافية للقراءة الدقيقة لكن لي بعض الملاحظات الأولية على ما ورد فيه من معلومات.
بدا لي من البيان أن المجلس اختار الطريق العكسي لمواجهة الشائعات، وهو البداية بتغليظ العقوبات، رغم أن الدستور المصري رسم لنا مسارًا واضحًا لذلك، عبر إقرار قوانين مكملة للنصوص الدستورية الخاصة بحرية تداول المعلومات، ومنع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر. وساعتها يمكننا مناقشة زيادة الغرامات، ومدى الاحتياج له، بشرط ألا تصبح هذه الزيادة طريقًا للحبس، من خلال المبالغة في تغليظها بدعوى الردع أو تؤدي إلى إغلاق الصحف، فتصبح أداةً لنشر الشائعات بدلًا من وقفها، بعد أن نفقد سلاحنا الأول لمواجهة الشائعات.
إن بداية الطريق لمواجهة الشائعات هي إتاحة المعلومات عبر قانون يمكن الصحفيين والمواطنين من الوصول الحر إلى المعلومات، وتوفير وسائل إتاحتها، وإلزام المصادر الرسمية بتقديمها عند طلبها، وهو ما سيغلق الباب أمام انتشار الشائعات عبر نشر المعلومات الصحيحة، وتوفير سبل تصحيح أي معلومات غير دقيقة.
لقد قدم الدستور المصري روشتة متكاملة لمواجهة الشائعات عبر النص على ضرورة إتاحة المعلومات وتنظيم تداولها بحرية، بما يتيح لناقلي المعلومات بل ويلزمهم بتصحيح أي معلومة غير دقيقة، وإلا تعرضوا للعقوبة، وكذلك عبر رفع القيود على العمل الصحفي، وتحرير الصحفي من المخاوف بمنع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر. وساعتها يمكننا، ونحن نستكمل هذا البناء، أن نعيد النظر في بعض الغرامات الحالية؛ بحيث تكون وسيلةً للردع، دون أن تتحول الغرامة إلى طريقٍ جديد للحبس، أو تكون -كما قلت- أداةً لقتل الحقيقة أو محاصرة ناقليها بإغلاق وسائل إتاحتها، نتيجة العجز عن تأدية الغرامة من خلال المبالغة في التغليظ بدعوى الردع.
لقد علمنا أساتذة الصحافة الكبار أن عقوبة الخبر الكاذب هي تصحيحه، وأن المبالغة في العقوبة ليست السبيل لمواجهة الشائعات أو الأخبار الكاذبة بل إنها ربما تكون سببًا في انتشارها بإحجام ناقلي المعلومات عن نشرها خوفًا من العقوبة وهو ما يفتح الأبواب الخلفية على اتساعها دون ضابطٍ عبر الأطراف البعيدة عن نطاق تطبيق القانون.
الشائعات تواجه بنشر الحقائق وإتاحتها لا بالعقوبات، وهذا هو درس الواقع والتاريخ والتجارب الإنسانية. الشائعات تنتشر بتقييد الوصول إلى المعلومات الدقيقة، ولن يمنع ذلك أي عقوبات مهما كانت شديدة في ظل تطور وسائل النشر العابرة للحدود، ولا سبيل إلى مواجهة ذلك إلا عبر إتاحة المعلومات وسبل تداولها بحرية، للرد على الأكاذيب وضحدها.
إن الدعوة والتوجيه اللذين كان يجب أن يصدرا اليوم، هو البدء الفوري في إعداد قوانين مكملة للمواد ٦٨ و٧١ من الدستور، وإزالة أي قيود على العمل الصحفي والإعلامي، واستكمال البنية التشريعية التي تتيح حرية النشر والتعبير. وساعتها ربما لن نحتاج إلى تغليظ أي عقوبات، أو سيتم ذلك دون أن يكون أداةً لمزيد من التضييق. وهذا ما يجب أن نتعاون فيه جميعًا: حكومةً، ووسائل إعلام، وهو بناء نظام إعلامي حر، وقوانين تتيح المعلومات كأقصر السبل لمواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة.
#نقاش_دوت_نت
الشائعات، الاخبار الكاذبة، تغليظ العقوبات، الدستور المصري
