لماذا تفشل الديمقراطية في العالم العربي؟
أطروحة المؤرخة الأمريكية اليزابيث ف تومبسون تشكّل مواجهة تفسيرية مباشرة للسرديتين المهيمنتين حول العرب والديمقراطية. الأولى استشراقية ترى عجزاً جوهرانياً ثقافياً أو دينياً يمنع العرب من بناء نظم ديمقراطية، والثانية إسلاموية ترى الديمقراطية بناءً غربياً غريباً عن الثقافة الإسلامية. تقلب ثومبسون المعادلة كلياً بالادعاء أن المشكلة ليست في غياب القدرة العربية على الديمقراطية بل في التدخل الغربي الذي دمّر تجربة ديمقراطية ناشئة كانت قابلة للحياة. هذا ليس مجرد تصحيح تاريخي بل إعادة توزيع للمسؤولية الأخلاقية عن الفشل الديمقراطي في المنطقة من فاعلين محليين إلى قوى خارجية.
التجربة التي تحتج بها ثومبسون هي المؤتمر السوري عام ١٩٢٠ تحت حكم فيصل الأول في دمشق. هذا المؤتمر أسس دستوراً لملكية دستورية تمثيلية تضمن المساواة القانونية بين المسلمين وغير المسلمين، وتبنّى آليات برلمانية وانتخابية وفصلاً نسبياً للسلطات. الادعاء هو أن هذا لم يكن مجرد واجهة سياسية أو محاكاة شكلية للديمقراطية الغربية بل مشروعاً أصيلاً مستنداً إلى تفاعل داخلي بين التراث الإسلامي للشورى والمفاهيم الحديثة للحكم التمثيلي. ثومبسون تحاجج أن هذه التجربة أسقطتها فرنسا عسكرياً عبر معركة ميسلون عام ١٩٢٠، وأن بريطانيا تواطأت في تقسيم المشرق تحت نظام الانتداب الذي كان استعماراً مقنّعاً بخطاب الوصاية الحضارية.
العنصر الحاسم في أطروحة ثومبسون هو التحالف الليبرالي-الإسلامي الذي جمع شخصيات علمانية تحديثية مع مصلحين إسلاميين مثل رشيد رضا. هذا التحالف أثبت قدرة عملية على التوفيق بين المرجعية الإسلامية والمبادئ الدستورية الليبرالية دون الانحلال في أحدهما أو رفض الآخر. الحجة هي أن هذا النموذج كان قابلاً للتطور إلى ديمقراطية مستقرة لولا القمع الخارجي، وأن تدميره خلق فراغاً ملأته لاحقاً السلطويات القومية العسكرية والحركات الإسلاموية الراديكالية التي رفضت الليبرالية كلياً. بهذا المعنى، الاستعمار لم يمنع فقط الديمقراطية بل أنتج البدائل الاستبدادية التي ملأت المشهد السياسي العربي لاحقاً.
الرهان التفسيري لهذه الأطروحة يعتمد على قوة الأدلة التاريخية حول وظيفية المؤتمر السوري وقابليته للاستمرار. إذا كان المؤتمر هشاً داخلياً أو محكوماً بالانهيار بسبب تناقضاته الداخلية أو ضعف المؤسسات أو غياب قاعدة اجتماعية ديمقراطية، فإن الأطروحة تفقد قوتها وتصبح الحجة مجرد افتراض مضاد لا يملك قوة تفسيرية كافية. ثومبسون تحتاج أن تثبت ليس فقط أن التدخل الاستعماري حدث—هذا مسلّم به—بل أن التجربة كانت فعلاً على مسار ديمقراطي مستدام قبل هذا التدخل. هذا يتطلب فحص المصادر الأولية حول المداولات البرلمانية والتوازنات السياسية الداخلية والتمثيل الفعلي وآليات المحاسبة لا مجرد النصوص الدستورية الرسمية. الفرق بين ديمقراطية ناشئة وديمقراطية ورقية حاسم لصلابة الأطروحة.
#نقاش_دوت_نت
ثومبسون، العرب ، الديمقراطية، التدخل الغربي، نظام الانتداب
