من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

مسلسل " الشهد والدموع " : الحب والقيم في مواجهة الطمع والجشع

إنجي حسن
مسلسل


المسلسل نقلة في تاريخ الدراما العربية 

إن العمل الدرامي في بعض الأحيان لا يهدف فقط إلى تحقيق التسلية و عنصر الإمتاع فحسب ! 

و لكن هناك بعض الكتّاب سخروا أقلامهم لتصوغ حياة سياسية و اجتماعية في فترة من الزمن ، أثرت الأولى في الثانية و انعكست فيها ! 

و تناولوا شخصيات لا يمكن أن يتجاوزهم قلم القوة الناعمة ، شخصيات وطنية ثرية أو شخصيات اجتماعية ناهضة بتحرر الفكر و مهدت الطريق لتطور المجتمع ! 

لهذا وجب الإهتمام بالنقد و التحليل للأعمال القيمة التي حملت هذا الإتجاه سواء في قالب كوميدي أو تراجيدي ....

و من هذا المنطلق ، أسلط الضوء على عمل درامي ثري لم تتخطاه الذاكرة الشعبية و هو مسلسل ( الشهد و الدموع ) 

للكاتب المثقف المبدع الراحل / أسامة أنور عكاشة ...

تناول الجزء الأول الحياة الإجتماعية في مصر إبان العهد الملكي البائد و الاستعمار البريطاني ، و كيف انعكس ذلك على الأسرة المصرية التي بهتت تحت هذا الغطاء فلم تهتم في هذه الحقبة إلا بتزاوج الثروة و السلطة كما رأينا في رغبة شخصية الحج رضوان الثري - و كانت شخصية متسلطة - في إتمام الزواج بين ابنه الأكبر حافظ و دولت بنت العائلة التركية صاحبة العلاقات القوية بالطبقة الحاكمة و أثرياء الدولة ! 


و صدامه مع ابنه الأصغر شوقي لعزوفه عن هذا الإتجاه ..

و كذلك نجد شوقي و صحبته عبودة و المستكاوي و كيف كانت حياتهم عابرة على هامش الغناء الذي لا سبيل له إلا التسلية و الإمتاع حتى لو بشكل مستقيم بلا أي انحرافات اجتماعية !! 

و لكن كان يفتقر الغناء الذي أصبح فيما بعد ثورة يوليو هادفا نحو تعزيز الإنتماء و الوطنية ، و الإرتقاء بالكلمة و اللحن و الأداء كما سيحدث في الجزء الثاني من العمل الفني !

و كانت الصحبة تجتمع على المقهى بغرض الدردشة و تضييع الوقت فحسب ! 

عكس دور المقهى فيما بعد عندما سيصبح مكانا لتلاقي الطبقات المهتمة بالعمل الوطني ، في الجزء الثاني أيضا ! 

سنجد حرص المخرج إسماعيل عبد الحافظ مع الكاتب أن تشغل المقهى أغاني وطنية لعبد الحليم حافظ و أم كلثوم .

و يجلس من طبقة العمال قطب الميكانيكي مع حسين و مكرم من طلاب الجامعة ، و عبودة أفندي الذي أصبح في هذا الجزء رمز للنضال في مدن القناة و متابعة العمل الثوري ! 


و نجد اهتمام الكاتب بربط الشخوص و تفاعلاتها و تحديد مصير كلا منها ، بما يحدث حولهم في البلد من مجريات مؤثرة بالطبع ..

في نهاية الجزء الأول :

تحديدا آخر مشهد هو التحدي بين دولت و زينب حول مستقبل أولادهم .

الأولى دولت شايفة بكل ثقة في عهد الملكية :

انه فيه فارق جامد بين تعليم و مستوى أولادها عن تعليم و مستوى أولاد زينب ..

و بتتنبأ أنهم هيكونوا في الورش و خدامين في البيوت ..

أما زينب الطموحة بتأكد لها انهم هيكبروا و يتعلموا و يكونوا كمان احسن من أولاد دولت !

في حلقة سابقة عن عهد الملكية : 

طبعا نفس الكلام اللي قاله حافظ - بحزن فيه شعور بالذنب - لدولت لما قال لها ايه اللي هيجيب ولاد شوقي اللي في التعليم الحكومي لأولاد دولت اللي في المدارس اللغات الخاصة ❗

لكن ينتهي المشهد بقيام ثورة يوليو ١٩٥٢ ..

اللي معروفة بالتعليم المجاني اللي ساوى بين أبناء كل الطبقات في الدراسة .

و بكده اتمكنت زينب من تحقيق حلمها ، و يدخل أبناء العائلتين - الطبقتين الفقيرة و الغنية - نفس الجامعة .

و يتقابلوا و هما نفس المستوى التعليمي .. زي كمان سهير و علاء ابن نيازي رجل النفوذ و زوج ناظلة قريبة دولت ، الاثنين اتجمعوا في نفس الكلية - الطب .

و بالعكس أحمد شوقي يتفوق على سمير حافظ 

و حسين يتفوق على هاني ، و كذلك سهير على ناهد.. 

و هاني يقول ده في مشادة كلامية مع أبوه حافظ : 

( أولاد عمنا أحسن مننا ) 

طبعا مش تفرقة بين الكليات ، لكن المقصود في مجموع الدرجات زي ما قال حافظ لمراته دولت في الحلقة الأولى من الجزء الثاني .


في إشارة هامة من الكاتب لمكتسبات و إنجازات ثورة يوليو 1952 

و ده يشير إلى أهمية رفض الطبقية في التعليم للصالح العام للمجتمع 

إحدى رسايل الكاتب 

مع نجاح المخرج / إسماعيل عبد الحافظ في عملهما الدرامي .

و حرص الكاتب المثقف ، أسامة أنور عكاشة على اظهار مسألة غاية في الأهمية لأي مجتمع يهدف للتعايش سلمي مع ذاته .

تكرار مشهد تشارك العمال و الأسطوات و أصحاب الحرف مع المثقفين و أصحاب الأملاك و الطلاب : 

على القهوة مثلا و في بيت وحيد نلاقي جلسات بين 

صاحب الأملاك / وحيد ،

المثقف الوطني / عبودة ، 

الطلاب / حسين و مكرم ، 

الأسطى العامل / قطب الميكانيكي ،

أصحاب المحلات البسطاء / أبو سمرة و محروس .

مع استمرار الاستماع إلى أغاني عبد الحليم حافظ الثورية الوطنية على مقهى يجمع فئات المجتمع المتنوعة ، و ده اللي تميزت بها هذه الفترة من الثورة ..

و هم يتجاذبون أطراف الحوار الوطني عن بلدهم مصر ، و أحيانا يستمعون لحفلة أم كلثوم أول الشهر و في موضوعات أخرى .


و ده كان أحد الانجازات الإيجابية اللي حرص الكاتب على إبرازها لثورة 23 يوليو .

تذويب الفوارق بين الطبقات الإجتماعية ، فكلما تقاربت الطبقات تلاحمت قشرة المجتمع الإنسانية ، و العكس كلما تباعدت الفوارق أصبحت شقوق عميقة تصدع هذه القشرة .. و هذا مؤشر خطر يهدد التعايش السلمي الاجتماعي لأي وطن .


و هنا اطرح تساؤلا : 

هل كان الكاتب / أسامة أنور عكاشة يقصد أنه يختار الاسم معبر عن الشخصية :

 دولت : من كلمة دولة ، تشير للتسلط و الفخامة و الثروة ، دي حقيقة الشخصية .

حافظ : تشير لمن يوكل إليه الأمور و يحرص عليها ، طبعا معروف أنه والده كان معتمد عليه في شئون التجارة و حرصه على المال .

زينب : الشجرة حسنة المظهر و الرائحة ، فعلا كانت جميلة و شوقي حبها من أول نظرة ، و الكل قدرها لأنها جدعة و مخلصة. 

جعفر : النهر الصغير ، فعلا كان رغم ضعفه لكنه معطاء لزينب و أولادها 

رضوان : حارس الجنة ، كان حازم جدا في قراراته لأنه شايف أنه تعب و شقي في بناء الثروة و اسم رضوان ، و الكل لازم يطيع .

وحيد :بالفعل وفقا لظروف نشأته ظهر انعزالي معظم الوقت إلا عند الضرورة 

شوقي : اسم عاطفي يفكرك بأمير الشعراء أحمد شوقي، و بالفعل كان مغرم بالفن و الحب .

سنية : صاحبة المكانة الرفيعة ، كانت دائمة الصراع مع إحسان حوالين مين هي ست البيت صاحبة الكلمة .

إحسان : من التصدق على الغير بالخير ، فعلا مرضيتش تطلق من عبد البديع رغم أنه مش بيخلف ، و ربت وحيد ، فتحت بيتها لأولاد أخواتها و لسعدية كمان .

 عبد البديع : هو فعلا أخلاقه و طبيعته مميزة و استثنائية 

الحج برهامي : مجمع النور أو اكتمال نمو الشجر ، حقيقي انه كان دايما يغلب الحج رضوان بحجته و كلمته للحق و كان بينور له الطريق .

 مختار  المفضل : و هو الرفيق المفضل عند حافظ و كل ما يقع يلجأ له .

الحديث يطول في هذا السياق ، لذا اكتفيت بإشارة سريعة ، ننتقل معا إلى تناول شخصيات العمل الفني : 

▪️حافظ رضوان :

الشخصية اللي نالت إعجاب فريد من نوعه 

بتقدم محتوى يصنف بالشرير و لكنه رغم ذلك لم يفقد التعاطف معاه ، بل و اتحب كمان ..

ازاي !!

في معالجة درامية أبدع فيها الكاتب / أسامة أنور عكاشة 

مزج فيها الخير و الشر مع بعض 

و فكرة الجمع بين الضدين ، معروفة أنها بتقوي المعنى و تبرز جماله بوضوح للمشاهد أو المتلقي عموما ..

يعني الإنسان اللي عنده القدرة العالية على صنع الشر و تسخير ملكاته في استعظامه و استغلاله ، لما يكون برده عنده الشعور بالندم و حب فعل الخير ، ده بيخلي الناس تتعاطف معاه ، و تسقف له أكتر ، كنوع من الرغبة عند الجمهور كأنهم هيحفزوا الخير اللي جواه أنه يزيد و يتغلب على الشر ..

خلى الجمهور معظم الوقت و هو متابعه عنده شعور تلقائي غير مقصود بيتمنى فيه لو حافظ يثبت على فعل الخير ، و يبعد عنه دولت و تأثيرها ..

الجمهور دايما فرحان باللقطة اللي هو فيها بيتقرب لأولاد أخوه بصدق ، زي لما راح يوم عاشوراء يتغدى معاهم و كان بيقول أنا في بيت أخويا ...

و كان سعيد و هو بيتكلم مع حسين و نوال ...

ده تلقائيا بيخلق جوه المشاهد شعور مقابل في اللقطة دي بالفرحة بسبب الأمل .. الأمل أنه حافظ يقدر يشوف الصورة بشكل مختلف عن اللي دولت دايما بتصدرها له ، فيه أمل أنه يقرب لأهله ..

و ده اتكرر لما إحسان و جوزها طلبوا مفتاح البيت الكبير علشان يقعدوا فيه مع وحيد لما حالته النفسية اتضررت بسبب البنت البي حبها في الفيوم ..

و اتكرر كمان ، لما مختار راح بالفلوس لحافظ بعد ضرب شوقي ، و صرخ حافظ أنه مش عاوزها ، مش للدرجة دي كان عاوز يفتك بأخوه بعد ما عرف خبر موته .. لكن دولت كعادتها بسرعة غزت شعور الطمع و الأنانية جواه كالعادة ..

و أكتر من موقف بالشكل ده ، يبين للمشاهد أنه حافظ جواه الخير ، بس للأسف ملقاش في محيط الدايرة القريبة اللي يغذيه و يقويه جواه ، زي ما لقى للشر دولت / الزوجة ، و مختار / رفيق العمر ..

و ده يبين لك خطورة تأثير الزوجة و رفيق عمرك عليك اللي أكتر من الأهل عند كثير من الناس .


أما الشعور بالندم و الحزن ..

فده لما بيحصل لحافظ بيثير شعور التعاطف عند المشاهد ، بيصعب عليه يجلد حافظ اللي في نظره مش محتاج جلد . حافظ بيجلد نفسه بنفسه و بيدفع الثمن ..

لما مثلا طلب بالإيحاء من مختار أنه يعمل مكيدة لأحمد و حسين ، و فعلا دخل حسين السجن ، بعدها لما زينب راحت و صحت الذنب القديم جواه في أخوه ، اتألم و مقدرش يستحمل ، و قلب الدنيا مع المحامين علشان يطلع حسين ، و كأنه بيحاول يخرج من الغرقة الشيطانية اللي بيعجز دايما قدامها لما بتستحوذ عليه ..

و في غرفته ، قعد حزين على سريره ، يبص لنفسه في المراية ، و يعترف لها أنه هو اللي وجه مختار كالعادة و يصرخ و يقول لأ أنا مش عاوز كده مش عاوز كده ..

و لما ضرب ابنه هاني في المكتب ، و كان شايفه شوقي لما اتجوز عفاف ، لما هاني واجهه بكده ، فجأة يوقف ضرب و يظهر على وشه و ملامحه آلام الذنب القديم و التقيل و يترمي على الكرسي ، عيونه تملاها الدموع و يسرح في أعماق ماضيه المعذب ...

و شجاعته في الاعتراف بالذنب في مواجهة ناهد ، لكنها كانت برده شجاعة مخلوطة بالصراخ ، الصراخ ده كان بيعبر عن رغبته في معاقبة نفسه ، مش طالب تعاطف بنته او تسامح ..

كان غضبان على شره ، غضبان على طمعه ..

و هنا تعمد الكاتب تكون دي رده فعله ، علشان المشاهد يشعر انه حافظ جلاد نفسه ، محتاج منك تعاطف و رثاء لحاله ، مش مستني منك جلد .

و أشد عقاب اتلقاه حافظ كان خسارته لناهد بنته الوحيدة اللي كانت زي ماقال حافظ بتحبه و تسأل عليه و قريبه منه ...

لكن دولت مكانتش بتسيب اي مساحة لناهد علشان تمارس تأثيرها على باباها و تكون هي الداعم الوحيد لتقويه الخير اللي جواه ، و اللي مش لاقي أي سند ينصره على الشر و الطمع ..

ناهد الوحيدة اللي كانت تقدر على الدور ده ..

علشان ننتبه أنه كل إنسان مهما كان شره محتاج لقلب نظيف يصحيه ، بس لو يديه الفرصة و توفقه الظروف ..

 حنين حافظ للجلابية و قعدة السيدة و ارتباطه بتجارته اللي ورثها عن أبوه ، و قعدة الطبلية .. كل ده كان بيحفز جوه الجمهور شعور الإطراء و الرضا عن حافظ ، أنه مش خسيس و لا قليل الأصل رغم أنه طماع و ماكر و أناني ..

و يتعاقب حافظ بالرغم من كل العذابات الحية جواه ، لأنها مقدرتش على التطهير .. 

شجرة الشر و أغصان الطمع و الأنانية و المكر ، جذورها ضربت في أرض حافظ ، و اتروت منه مع دولت و مختار و شهوات الدنيا و حب المال ...

كان لازم تتقلع الجذور بعقاب أقوى من عذاب الضمير ..

✍ سمير يتناسى حب الأب ، و يسحب بس منه فلوس ، و في الآخر هدده بالحجر عليه 

✍ ناهد تعترف له انه حبه راح منها و تتحطم قدامه و هو عاجز ينقذها من رماد الانتقام و الكراهية 

✍ هاني يهجره و يسافر مع عفاف ، و يرفض مشاركته في تربية ابنه فيتحرم من حفيده 

✍ سوزان عمرها ما حست به ، حتى لما شريانه اتقطع كان كل همها تسافر الفيوم 

✍ أهله بقوا بعيد عنه ، و أولاد أخوه مستهدفينه هو و ثروته 

✍ دولت دايما تتآمر عليه و نجحت نوعا ما في تحجيمه 

✍ مختار زي ما لعب معاه زمان ، لعب ضده في الآخر 

✍ ثروته اللي عاش يجنيها ، طلع مالوش زاد و لا مياه فيها ، و اضطر بنفسه يلمها و يتخلص منها ، ب ايده مش ب ايد حد تاني ..

تخيل لما تهد حلمك و أملك ب ايديك و انت اللي تتخلص منه 

و اللي ظهر في وسط كل السواد و الضباب و الآلام دي علشان يمد له ايده في آخر محطة العمر ، طبعا هو اطيب قلب/ عم جعفر

زي ما قال حافظ : أنت الخير القديم 

و رد مختصر من عم جعفر : ارمِ حملك ، منه له 

و لا ننسى كلمات ما اروعها من حافظ ، عن المال الحرام، طلع مياه مالحة ، و التبر طلع تراب ، الجراب طلع فاضي ..

في عظة للي بيلهثوا ورا الغنى بكل سبيل ، فوق قبل ما العمر يأكلك و لا يسيب غير عضمك ، تكسره الدنيا حتة حتة في ألم يعيش جوه بدنك بقية حياتك .. يا آكل السحت .

ما بين الأمل و التعاطف عند الجمهور ، و ده الإبداع الحقيقي و الأكثر تفوقا عند الكاتب / أسامة أنور عكاشة .. عاشت شخصية حافظ حاضرة قوية مؤثرة لحد النهاردة ، و لسه هتعيش كمان ..

لأنها اللي بتحمل صراع الإنسان على الأرض ، الصراع الدائم بين الخير و الشر ، و كل واحد فينا عايش جوه الصراع ده بشكل مستمر ،ةعلشان كده كان حافظ محبوب دايما لنا ، لأنه بيؤجج المشاعر دي كلها مع بعض :

غضب ، ندم ، حب ، تعاطف ، جلد 

ده سر حب المشاهد للشخص الشرير المحبوب / حافظ رضوان 

تحياتي و تقديري للكاتب المبدع / أسامة أنور عكاشة 

و للفنان القدير / يوسف شعبان بحضوره المميز جدا ، اللي يقدر يتنقل مابين الشخص البلدي / الجلابية و الحي الشعبي ،

و الشخص البيه / البدلة و الفيلا .. برشاقة و مرونة و اقتدار 

تخليك متقبله في الوضعين و دي نادرة ، بدون ما تحس انه كان في وضع أجمل من التاني .

كانت ملحمة إنسانية أكتر منها شخصية على الورق 

▪️ شخصية دولت :

تعمد الكاتب اختيار الاسم حسب دور الشخصية في العمل ...

و يرجع الاسم لكلمة ( دولة ) في إشارة للمال و الغلبة و السلطة 

و يشير عند العثمانيين للفخامة ..

دولت هي بنت الطبقة الغنية الأرستقراطية اللي اتربت على التعالي و التسلط و الأنانية بعنف .

الكاتب أسامة أنور عكاشة وُفق في اختيار من يجسدها و هي الفنانة الراحلة / نوال أبو الفتوح .

اللي تميزت بالشخصية الفنية ، يتقاطع فيها لون القوة مع لون الشر ، و المكر المستمر .. ده واضح من ملامح الفنانة و تعبيراتها الرائعة عن الأدوار من النوع ده .

في الشهد و الدموع ، نجد دولت من طبقة ضاع نفوذها و مالها ، فحاولت بتسلق مباشر و واضح دون خجل الارتباط بأحد أفراد عائلة غنية و لكن من طبقة هي تراها أدنى منها اجتماعيا و ثقافيا و علميا هي عائلة الحاج رضوان تاجر الحلويات المعروف ..

و يتضح جرأة دولت في الحرص على الحصول على أفضل الفرص دون مراعاة لأي اعتبارات حسب ما ذكرت زينب لها ، عن طريق اختيارها لشوقي و مكاتبته بجواب تطلب الزواج منه ، متناسية الحياء كما اتهمتها زينب على حد قولها .

و بعد كده يظهر أنانيتها بعد ارتباطها بحافظ رضوان ، في حرصها على اقتطاعه من عائلته و جذوره بكل قسوة و شر ، لتحتفظ به و أمواله لنفسها بس و تسخره لمخططاتها و أهدافها الشخصية الانتفاعية ..

حتى لو حرضته إنه يحجر على والده الحج رضوان و تتسبب في موته غضبان على ابنه ، و تحريضها له على أخيه شوقي و دس سم الحسد و الغيرة علشان يسرق حقوقه ، و يوقع بينه و بين والدهم ..

و بعد كده تحرضه على أخته إحسان و الاستيلاء على حقها ، حتى لو دفعته للتخلص من عريس أخته مختار البرهامي - صديقه - للتخلص من طمعه في ثروة إحسان .. حتى لو ده يكسر قلب أخته ، و مش بس كده كمان يتخلص من العريس التاني عبوده لنفس الهدف ..

و كذلك ضد سنية و ابنها وحيد ... الخ 


دولت لا ترى إلا دولت 

زوجها حافظ مجرد سلم ، مجرد لعبة خيوطها في ايديها 

حتى أولادها كلهم عرايس تحركهم وفقا للخطط بتاعتها دون مراعاة لاعتبارات الأمومة و البنوة ، حتى الأبوة .. دمرت علاقتها بهم علشان تبعدهم عن حافظ اللي بتحتقره في أعماق نفسها ..

هو مجرد بنك بالنسبة لها ، تحط فيه رصيد و تسحب منه ..

و كل ما يقرب من أولاد أخيه شوقي ، بسرعة تلاحقه و تحاصره ، و تقطع الطريق على أي تواصل بعيلته و جذوره ..

علشان تصنع منه الصورة اللي تليق بها بس .

علشان كده بمجرد ما حافظ في الجزء الثاني بدأ يتحرر من قيودها ، بدأت تخطط له هو كمان لحد ما سحبت البساط من تحته ، بتوكيل إجباري ، تحل به محله و تركنه على الرف .


دولت سعت بكل قوة لتدمير أسرة زينب اللي بتحتقرها و تغير منها لأنه شوقي فضلها عليها ، ووصل الحقد الأسود لأولاد زينب و شوقي كمان .


دولت مرحبتش بشخصية إلا وحيد رضوان ، لظنها فيه أنه ضعيف و مالوش في طمع المال أو السيطرة ..

طبعا عكس اللي حصل من وحيد 


كتابة رائعة للشخصية تبرز وجهة نظر أسامة أنور عكاشة في الطبقة الغنية دي من الأتراك المقربين للطبقة الحاكمة ، و عدم اهتمامها بالبلد و الشعب ..

زي ما شفنا في سخريتهم من دخول الجيش معركة ٦٧ ، و ضحكاتهم في جلسة لطيفة في صالون دولت بيشربوا شاي بشكل رايق ، فرحانين أنه سمير و علاء و هاني مدخلوش الجيش ..


و وضع لها الكاتب نهاية عادلة تستحقها ، لأنها برده شربت الماء المالح / المال الحرام و العمل السئ :

✍ اتشل لسانها اللي دايما كان بيوسوس لحافظ .

✍ خلى ابنها المدلل سمير سابها و سافر لأنها ربته على الجري وراء المال ، و تركها مع ناهد اللي عمرها ما اتجهت للمال و التسلط .

✍ اتذلت لخدامتها نجية و جوزها حجازي ، اللي حسب رؤيتها هي خيرها عليهم و هي سبب نعمتهم .

تجسيد الكاتب للواقع الاجتماعي و السياسي كان موفق جدا ، لذلك تظهر عبقريته في العمل الفني .


▪️الشخصية / مختار البرهامي 

جسدها الفنان / صبري عبد المنعم 

مش هأقول الصديق لأنه معنى الصداقة يحمل جوهر مختلف تماما عن حقيقة اللي عمله مختار !

لكن الأدق هو رفيق العمر و شريك كل تفاصيل حياة حافظ رضوان .

هو الابن الوحيد للحج برهامي الصديق الحقيقي للحج رضوان ، و لكن واضح جداا اختلافه كليا عن أخلاق والده ، هو مستهتر و مش متعلم ، و حتى مش دماغ جامدة في الشغل زي صاحبه حافظ ، و لا يعرف معنى الحب و لا أي قيمة عنده في الحياة ... 

عايش على حساب والده ، بيحب واحدة حتى المؤلف خلاها مجهولة لتفاهة الارتباط .. اللي كان واضح من رفض والده للجوازه او كان مش متحمس لها .

معرفش يطور شغله و يزيد ، فضل دكان والده هو هو طول العمر ..

يعرف بس السهر مع ناس مشبوهه ، يكون له علاقة مع ناس برده مشبوهة زي جابر الأشوح تخلص له مصالحه لأنه جبان ميقدرش يواجه في النور .. شغله كله مقالب و مكائد .

معندوش شخصية ، كان سعيد و راضي يكون ظل حافظ ، يكون ذراعه اللي يضرب و دماغه في المكر ، و يريحه من أي هم أو مشكلة بالخديعة و الحيلة .

يفهم حافظ من مجرد نظرة و ينفذ بدون أي تفكير .


انتهازي لما سمع عن أرض الفيوم اللي كتبها الحج رضوان لبنته إحسان ، جري يخطبها ، و لما حافظ وقف له تراجع تاني ، مش مهتم يورط والده أو يقطع علاقته بصديق العمر الحج رضوان 


المال الحرام ماشي معاه عادي .. حتى أنه كان بيعمل مصالح مع حجازي مدير محلات حافظ ، و الاثنين بيسرقوا حافظ مع بعض .


معندوش أي ضمير ، زي ما كان بيخطط لحافظ ، كمل تخطيطه لصالح حجازي مع جوز أخت مراته سعدية علشان يساعده يأخد أولادها لمراته نجية .. 

لكن لما يكون حجازي و لا حافظ ، و مفيش مصلحة مع حجازي .. يبقى حافظ الأهم طبعا زي ما حصل في سرقة حجازي ورق الضد من خزنة حافظ .


اتسبب في موت شوقي ، و حرض حافظ على الاستيلاء على أموال شوقي - نصيبه في الميراث - و لما حافظ بعد مدة - وقت ما زينب رفعت عليه القضية - ضميره وجعه شوية ، شجعه يخلي الفلوس معاه و لما يكبروا أولاد أخوه يبقى يديهم ، و اهو كله يتسجل في دفاتر ، و الورق بيريح الضمير على حد تعبيره .


بارد جدا ، حضر جنازة شوقي و هو السبب فيها ، يقتل القتيل و يمشي في جنازته ، و في نفس ليلة العزاء يدي حافظ الفلوس المسروقة .


طبيعي جدا أنه لما تكون له مصلحة ، يبقى هو أولا مش حافظ 

بدليل لما ابنه اتورط في قضية ، و جابر الأشوح طلب مبلغ كبير ، حرضه يروح لدولت مع علمه أنها عدوة رفيقه حافظ ، بس علشان يحل مشكلته هو . يا روح ما بعدك روح ، و هنا يبان المعدن و الصداقة 


لما حجازي سأله : للدرجة دي بتحبوا بعض ؟ 

اتصدم ، و قال له عمره ما فكر في الحب ..

أكيد مش حب ، حب ايه اللي يأذي الناس القريبين و يضللهم و أحيانا يخليه يتقلب على رفيق عمره 


كان دايما يدافع عن دولت ، لما حافظ يشتكي له منها ، ده أكبر دليل أنه مش ناصح أمين .. ماهما نفس اللون و الخامة .

لكن على العكس ، كان يحرض حافظ على شوقي ، و عمره ما حنن قلبه على زينب و أولادها ، بالعكس خطط لأذية حسين برده إرضاء لحافظ 


و أخيرا مننساش أنه نفذ تحريض حافظ له في رفع قضية الحجر على والده ، و خلاه اتشرد و مات مقهور في نهاية عمره ..

اللي مالوش خير في اهله مالوش خير في حد .


نهايته عادلة جدا زي ما كتبها المؤلف ، شرب نفس الكأس ..

زي ما سقى السم لشوقي من كأس جابر الأشوح .. ابنه الوحيد شرب من نفس الكأس لما ارتبط بالأشوح ، و ضاع في قضية مؤبد ..

و النهاية هو كمان اتشرد يلف في الشوارع زي والده 

و حجازي بيطرده بكل احتقار 

هي دي نهاية الطريق بين شركاء الفساد و الحرام و الطمع ..

لا حبهم حب ، و لا علاقتهم صداقة ، و لا إخلاص 


اختر الرفيق قبل الطريق ، حكمة حقيقية .

كل التحية و التقدير للفنان / صبري عبد المنعم

دور من أروع أدواره على الإطلاق 

اتعمل باحتراف يخلي المتلقي - المشاهد ،، مستمتع بمتابعة الشخصية مهما كان شرها لكنها محنكة ممتعة بدون أي اسفاف أو ألفاظ خارجة او ابتذال ..مفيش عنف و د٠ماء مبالغ فيها زي للأسف الوقت الحالي .


▪️الشخصيتين دول : عبد البديع و عم جعفر 

حاجة تانية خالص غير كل اللي حواليهم ، 

هدوء و كلام فيه المختصر المفيد في اي مشكلة تحصل قدامهم .

بيدوا الحكمة مغلفة في نصيحة مش إجبارية، يعني لما يلاقوا اللي قدامهم رافضها أو معترض عليها ، خلاص بيسكتوا و يحترموا موقفه .

عبد البديع هو سند إحسان عم جعفر هو سند زينب 

لهم كل التقدير ....


▪️ إشارة أخيرة ، للجزء المحذوف عن وفاة الزعيم جمال عبد الناصر ، عندما ربط المؤلف في مشهد واحد بين موت الحب داخل شخصية ناهد و بين خبر موت جمال عبد الناصر لما بيدخل وحيد يبلغهم الخبر في نفس اللحظة ...

ليشير أن الشعب لما افتقد ناصر كان هو الحب الذي ربط بين الشعب و الانتماء للقومية و العروبة .



الشهد و الدموع، الذاكرة الشعبية، أسامة أنور عكاشة، يوسف شعبان، عفاف شعيب