رواية "امرأة غير قابلة للكسر " ..الدهشة حين تتجسد في إنسان
من الحقائق المعروفة أن لكل إنسان بصمة لا تتكرر ولا تتشابه مع غيره، كذلك الكاتب، لا بد أن يكون له أسلوب خاص ومختلف، وبصمة واضحة ومميزة، حتى لا يصبح مجرد شبح مموَّه بين الآخرين.
امرأة غير قابلة للكسر
عمل للكاتب الصحفي الأستاذ محمد رفعت، عمل يعكس حالة خاصة جدًا، ويؤكد بصمته في عالم الرواية بكل قوة.
ويتجلى ذلك منذ اختيار الاسم؛ فهو لم ينجرف لموجة الأسماء السائدة في العالم الأدبي الحالي، بل اختار اسمًا يعبر عن ذاته المتأثرة بعالم الصحافة، ذلك العالم الذي سنجده حاضرًا بقوة في كل سطر من سطور العمل.
الغلاف رائع، يعكس روح النص بجمال واضح، ويطرح العديد من التساؤلات؛ وأنا شخصيًا أعتبر الغلاف جزءًا لا يتجزأ من العمل الأدبي، وبوابة العبور الأولى إلى هذا العالم.
اختار الأستاذ محمد رفعت الراوي العليم ليصحبنا في جولة داخل عالم يعلمه بدقة؛ واختيار الراوي العليم قد يراه البعض أسهل أنواع الرواة، لأننا أمام من يعرف كل شيء، ظاهر الأمور وباطنها، وينقلها إلينا بسلاسة.
غير أن استخدام الراوي العليم، من وجهة نظري، يجعل القارئ مشاهدًا للأحداث بهدوء، فيمنحه مساحة أوسع للمتابعة والتحليل والحكم؛ قد يصل أحيانًا إلى حد القسوة.
وإن كان هذا في مصلحة القارئ، فهو من أصعب الرهانات على الكاتب، الذي لا بد أن يتحرى الدقة في كل تفصيلة.
امرأة غير قابلة للكسر.
رواية ما إن تُفتح لها الأبواب حتى تتشكل سلسلة سحرية متماسكة، تصل بين الكلمات على الورق وبين القارئ والحياة.
سلسلة تحمل أحداث الرواية وشخوصها، وتسقطها دون مواربة على الواقع الاجتماعي والسياسي الذي رأيناه أو سمعنا عنه يومًا.
ولذلك أقول إن عالم الرواية عالم حي نابض؛ عالم لا يراهن على الخيال، بل يقدّم الصدمة. فأنت، عزيزي القارئ، على موعد مع الحقائق وجهًا لوجه… فكن مستعدًا.
شخوص الرواية أحياء؛ بشر، لهم من الصواب والخطأ نصيب، منهم من استسلم للشر، ومنهم من حمل لواء الوسطية، ومنهم من انهزم واختار الفرار.
لم أحب شاهيناز، بطلة الرواية؛ فهي سيدة أنانية بكل معنى الكلمة، متسلقة، وباحثة عن كمالٍ مزيّف.
فتياتها يتخبطْن بين ذواتهن وما تربَّيْن عليه، فأصبحن صورًا للأم؛ صورًا قد تبلغ حد الاستنساخ، أو تظل شبحية بفعل حضورٍ أبويٍّ باهت، حضر على استحياء.
الأب الذي سقط، وأسقط معه عالمه؛ فسادٌ ضخم أحاط به، فقتل أحلامه بلا رحمة، فاختار الهروب إلى باب آخر وبلاد أخرى، ليصنع حياة بها بعض الحب والأمل، ويحارب عادات وتقاليد مختلفة… حرب هادئة، لا تعرف القتل ولا الترويع.
نساء الرواية نساء من زجاجٍ مسحور؛ زجاج يتمدد وينكمش على خلاف طبيعته، لذلك لا ينكسر أبدًا.
ورغم هذه الميزة السحرية، تبقى الشروخ واضحة وقاسية في الجميع؛ شروخ عميقة قد تجرح صاحبتها، وتجرح كل من يقترب منها، جروحًا دامية قد تصل حد القتل.
أحببت سارة؛ الفتاة الواضحة التي تعرف ما لديها، وتدرك ما تريد.
لم تستسلم لمشاعر مؤقتة كان مصيرها الذبول عند أول احتكاك بالواقع؛ لذلك جاءت قوية، صاحبة قرار وقدرة، وتمتلك مساحة رحبة من التسامح والمحبة، والبحث عن الأصل والعائلة.
كما أحببت السيدة نجوان، التي تحارب المرض والمجتمع معًا، وتنجح في إنجاب رجل يحمل من الفن والجمال، ومن القوة المخلوطة بالرحمة، الكثير.
امرأة غير قابلة للكسر
رواية خاصة؛ تتجلى فيها بصمة الكاتب بقوة وتفرّد، كما تتجلى فيها روح الصحفي الذي لا يتخلى عن إظهار الحقائق، مهما كانت النتائج.
تحية تقدير للكاتب الكبير الأستاذ محمد رفعت على هذا العمل المختلف، مع أطيب الأمنيات بمزيد من الإبداع.
#نقاش_دوت_نت
امرأة غير قابلة للكسر، عالم الصحافة، زجاج مسحور، الواقع الاجتماعي والسياسي
