رجال الأعمال المصريون اليوم: من الإنتاج إلى المضاربة العقارية
في مصر اليوم، أصبح النشاط العقاري الفاخر الوجه الأبرز لرأس المال، بينما تراجعت الصناعة والزراعة والتصدير إلى الهامش. لم يعد هذا خيارًا فرديًا، بل نمطًا عامًا، حيث تُضخ مليارات الجنيهات في تمويل مشروعات العقارات الفاخرة بأسعار فلكية، في حين تتكدس 13 مليون وحدة شاغرة على مستوى الجمهورية، رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد.
البيئة الاقتصادية تكافئ المضاربة العقارية على حساب الاستثمار طويل الأجل، ما يهدد مستقبل التنمية وقدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل حقيقية.
عرفت مصر رجال أعمال رائدين في الصناعة والزراعة وبناء قاعدة إنتاجية قوية، مثل طلعت حرب الذي أسس البنك الأهلي ودعم الصناعات المحلية والتجارة، وعبود باشا الذي برز في الصناعات التحويلية وتطوير المحاصيل التصديرية، مسهمين في خلق فرص عمل مستدامة وتعزيز الاقتصاد المصري في زمنهم.
اليوم، معظم رجال الأعمال البارزين مرتبطون بالأنشطة العقارية الفاخرة فقط، مثل هشام طلعت مصطفى، وياسين منصور، ونجيب ساويرس، بينما حضورهم الصناعي والزراعي غير موجود مقارنة برجال أعمال مصر بالماضي.
هذا التحوّل يوضح أن بوصلة الاستثمار تحوّلت من الإنتاج طويل الأجل إلى العقار كقطاع مهيمن وجاذب لرأس المال الكبير.
جزء كبير من المشكلة يعود إلى الدولة، التي أصبحت بائعًا للأرض وشريكًا في تطويرها (التحالف بين جهاز الاراضي التابع للقوات المسلحة وهيئة تنمية المجتمعات العمرانية)، وتعتمد على عوائد العقار كمصدر تمويل، وزيادة قيمة الناتج المحلي الاجمالي حسابيا علي الورق، ما يضعف الحافز للإنتاج.
البنوك تموّل المشاريع المضمونة، فتتجه السيولة نحو العقارات الفاخرة بدل المصانع والمزارع، ويضعف اقتصادنا تدريجيًا قدرةً وقوةً على صناعة المستقبل.
مطلوب عودة الدولة إلى دورها الطبيعي كمخطط ومحفّز، لا كتاجر ومنافس، مع إعادة توجيه التمويل نحو الإنتاج والصناعة والزراعة الحديثة.
يمكن الاستفادة من تجارب دول مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل، التي ركزت على دعم التصنيع والابتكار بدل المباني الفاخرة، مع خلق بيئة تمويلية مستدامة.
محاكاة دبي بإقامة أبراج فاخرة في الصحراء لا تبني اقتصادًا، بل تضيع الموارد دون قاعدة إنتاجية حقيقية، وما تحتاجه مصر اليوم هو تنمية قائمة على الإنتاج المستدام، لا تكديس الأصول العقارية.
#نقاش_دوت_نت
النشاط العقاري الفاخر، الصناعة، الزراعة، المضاربة العقارية، فرص عمل مستدامة، محاكاة دبي
