من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

«همّ النَّم»

رانية المهدي
«همّ النَّم»

 

في مشهد يومي عابر، تجلس أم تُطعم طفلها الصغير الذي لم يُكمل عامه الثاني، وتُدندن له أغنية شهيرة من أغاني الطفولة:«همّ النَّم»، في محاولة لتشجيعه على تناول الطعام.

تمرّ اللحظة بسلام… أو هكذا تبدو.

لكن طفلها الأكبر، صاحب الخمس سنوات، يقترب منها فجأة ويسألها ببراءة: 

– ماما… هي الأغنية دي حلوة؟

فتجيبه دون تردد: 

– طبعًا يا حبيبي.

يتوقف قليلًا، ثم يسألها بصوت مرتبك: 

– يعني أنا مش مؤدب؟ وإنتِ مش هتحبيني؟

تفزع الأم:

 – إزاي تقول كده؟ إنت أحسن ولد في الدنيا!

يرد الطفل بثقة: 

– بس اللي بيلبس نضارة مش ظريف ولا مؤدب.

تسأله بدهشة: 

– مين قالك كده؟

فيجيب ببساطة قاتلة: 

– الأغنية الحلوة.

ثم يعيد مقطعًا منها، ليستنتج في النهاية: 

– يبقى اللي بيلبس نضارة مش مؤدب… وأنا لابس نضارة. أنا هكسرها علشان أبقى ولد حلو.

هنا تسقط الأغنية، وتسقط معها غفلة الأم. تحتضن طفلها باكية: 

– لا يا روحي… إنت مؤدب وجميل، والنضارة دي مهمة لعينيك. الغنوة هي اللي غلط… ووحشة كمان.

يسألها الطفل بصدق: 

– بس إنتِ قلتي إنها حلوة.

فتعترف: 

– أنا آسفة يا قلبي… أنا غلطت. إنت أحسن ولد في 

الدنيا، وأنا بحبك قوي.

النهاية.


هذا الحوار التخيلي قد يبدو بسيطًا، لكنه واقعي إلى حد مخيف. فنحن اليوم نتعامل مع أطفال أكثر وعيًا وذكاءً وقدرة على الربط والتحليل مما نتصور. الطفل لا يسمع الكلمات فقط، بل يلتقط المعنى، ويفهم الرسائل الضمنية دون تجميل أو نوايا حسنة.

من هنا، تصبح المراجعة واجبة لكل ما يُقال أمام أطفالنا، ولكل ما يشاهدونه أو يسمعونه. لا يصح أن نُسلّم بأن أي شيء “جميل” لمجرد أننا تربّينا عليه، أو لأنه مُصنّف كأغنية أطفال أو كرتون.

في الآونة الأخيرة، شكا كثير من الآباء والأمهات – وبالصدفة المؤلمة – من اكتشاف محتوى كرتوني يحمل رسائل غير أخلاقية أو مشوّهة، كانت تمرّ أمام أعيننا دون وعي.

الأطفال مسؤولية حقيقية، خاصة في السن التي لا يستطيعون فيها التفرقة بين الصواب والخطأ. كثير مما يُقدَّم لهم قد يحمل سمومًا فكرية وأخلاقية تشوّه هذه النبتة الصافية، فتجعلها كالنخلة المعوجة التي يصعب إصلاحها عند الكِبر.

لذا، راجع ما يُقدَّم لطفلك…

فأنت المسؤول الأول أمام الله، وأمام المجتمع.

#نقاش_دوت_نت 


الطفل، الرسائل الضمنية، الربط والتحليل، السموم الفكرية، النبتة الصافية