متى ظهر مصطلح الشرق الأوسط لأول مرة ؟
رغم أن المنطقة العربية تقع جغرافياً في قلب الدنيا، فإنها تسمى جغرافياً منطقة الشرق الأوسط، وقد ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى على يد البريطانيين في بداية القرن الماضي.
حيث تشير المصادر المختلفة إلى أن الضابط في البحرية البريطانية ألفريد ماهان هو أول من كتب عنه في تقرير نشره في الأول من سبتمبر عام 1902 ثم استخدمه من بعده مراسل صحيفة «التايمز» البريطانية فالنتاين شيرول في أكتوبر عام 1902 ثم في سلسلة مقالات تحت عنوان «المسألة الشرق أوسطية» في عام 1903.
ثم أصدر وزير المستعمرات البريطاني كامبل بنرمان تقريرا في عام 1907 أطلق فيه المصطلح على المنطقة العربية التي تتميز بوحدة اللغة والثقافة والدين والتاريخ والتراث.
لكن مصادر أخرى تشير إلى أن زعيم الحركة الصهيونية تيودر هيرتزل هو أول من روّج للمصطلح في المؤتمر اليهودي الأول الذي عُقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897..
الأمم الكبرى تتشكل عادة حول قلب جغرافي يتيح لها أمرين: إنتاج غذاء يكفي كثافة سكانية كبيرة، وتحصينات طبيعية تجعل الدفاع ممكناً. والشرق الأوسط يحتوي فعلياً على ثلاثة قلوب جغرافية أنتجت عبر التاريخ دولاً مستقرة وقابلة للاستمرار.
القلب الأول هو دلتا النيل، التي احتضنت أقدم حضارات العالم، وما تزال حتى اليوم واحدة من أغنى بقاع الأرض زراعياً (إنتاجية فدان الدلتا تاريخياً من الأعلى عالمياً). وهي محمية بصحاري من الشرق والغرب، وبحار من الشمال، ما يمنحها قدرة طبيعية على الاكتفاء والبقاء.
القلب الثاني هو هضبة فارس، وهي أشبه بقلعة طبيعية: جبال زاغروس تشكل جداراً هائلاً بطول 1600 كم، وصحراء لوط تمنع الغزو من الداخل، وبحر قزوين يغلق الشمال. لهذا السبب كانت الإمبراطوريات الفارسية من الأطول عمراً في التاريخ، ولأن معدلات الهطول في غرب الهضبة تصل إلى 800 ملم سنوياً، تشكّلت فيها مراكز سكانية وزراعية ضخمة.
القلب الثالث، وهو الأفضل، هو هضبة الأناضول، المحاطة بالبحار من ثلاث جهات، والغنية بالأنهار الكبرى مثل قزل أرماق والفرات، والمطلة على بحر مرمرة، ذلك “الطريق السريع المائي” الذي جعل اسطنبول أغنى مدينة بين آسيا وأوروبا. لهذا السبب كانت الأناضول على مدى ألفي عام مركزاً لإمبراطوريات متعاقبة: هيلينية، رومانية، بيزنطية، عثمانية.
طبعاً هناك مناطق أخرى ذات ثقل تاريخي مثل سهل العراق، الأكثر خصوبة في المنطقة (معدل إنتاج الحبوب فيه تاريخياً يعادل ضعف إنتاج دلتا النيل في بعض الفترات)، حيث نشأت حضارات سومر وبابل وآشور. وكذلك بلاد الشام، التي وإن تمتعت بمناخ البحر المتوسط، إلا أنها مكشوفة تماماً من الجنوب والشرق والشمال، مما جعلها لقمة سائغة للقوى الكبرى عبر التاريخ، من الفراعنة حتى العثمانيين.
أما اليمن، فهو مزيج فريد من الجبال العاتية التي جعلت غزوه صعباً، ومن الأمطار الموسمية التي تكفي لإقامة حضارة مستقرة، رغم محدودية الموارد مقارنة بمراكز القوة الثلاثة.
غير أن كل هذه المسارات الطبيعية تعطّلت بسبب التدخلات الغربية التي أعادت تشكيل المنطقة بطريقة لا تعكس منطق الجغرافيا إطلاقاً.
فمثلاً، الدولة العثمانية كانت ستسقط حتماً على يد محمد علي لولا تدخل بريطانيا عام 1840. محمد علي كان قد سيطر فعلياً على الشام والأناضول حتى قيصريّة، وجيشه كان الأكبر والأحدث في المنطقة (نحو 120 ألف جندي مدرّب تدريباً أوروبياً). لو لم تتدخل بريطانيا، لظهرت على الأرجح إمبراطورية مصرية حديثة تمتد من القاهرة إلى اسطنبول، قائمة على مركز قوة دلتا النيل.
أما إيران، فلولا التدخل الروسي-البريطاني بين 1804–1914، لتمددت طبيعياً إلى أذربيجان وكردستان العراق، باعتبارهما الامتداد الجغرافي والسكاني لهضبة فارس، التي كانت بالفعل تحت النفوذ الفارسي قبل معاهدات جُلتستان (1813) وتركمانشاي (1828) التي اقتطعت أكثر من 250 ألف كيلومتر مربع من أراضيها.
سلطنة عُمان هي الأخرى مثال على قوة طبيعية خُنقت بتدخل الغرب. فقد سيطرت في القرن الثامن عشر على سواحل باكستان وشرق أفريقيا، وطردت البرتغاليين من المحيط الهندي، وكانت أقرب قوة لتوحيد ساحل الخليج العربي كله. لو لم تمنع بريطانيا تمددها، لكانت اليوم دولة ضخمة تشمل الإمارات وقطر وأجزاء من شرق السعودية واليمن.
أما الحجاز، فهو الامتداد الطبيعي لليمن: نفس الجبال، نفس القبائل، نفس طرق التجارة. وفي عالم بلا استعمار، ومع ظهور الدولة الحديثة، كان من الطبيعي أن تنتقل القوة السكانية والزراعية اليمنية شمالاً لتضم مكة والمدينة، كما حدث مراراً في فترات التاريخ الجاهلي والإسلامي المبكر.
العراق بدوره كان سيصبح قوة كبرى مع تطور الزراعة الحديثة واكتشاف النفط. فموارده تكفي لإطعام أكثر من 70 مليون نسمة بسهولة، ونفطه من الأعلى جودة في العالم. ولو لم تُفرض عليه حدود مصطنعة وموازين قوة خارجية، لامتد نفوذه جنوباً نحو شرق السعودية، حيث لا توجد أي تضاريس تعيق ذلك الامتداد.
أما المنطقة الوسطى مثل نجد، والربع الخالي، والبادية السورية، والنفوذ، والأردن فهي وحدة جغرافية-قبلية واحدة. في الظروف الطبيعية، كانت ستشكّل بالتأكيد دولة سعودية كبرى تشمل هذا الامتداد كله، لأنها ببساطة الكتلة الثقافية-الاجتماعية الأكثر تجانساً في الجزيرة العربية.
#نقاش_دوت_نت
الشرق الأوسط، البريطانيون، هيرتزل، دلتا النيل، هضبة فارس، هضبة الأناضول، اليمن
