من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية
×

تلك الليلة

سعيد إبراهيم زعلوك
تلك الليلة


كنتُ أنا… وكانت يدُك تفتح لي الطريق،

وثالثنا نجمةٌ تهرب من مدارها

لتجلس في فراغ الكفّين.


كان صمت الأرض يمحو أثر خطواتنا،

والهواء يخطّ رسائل

لا تقرؤها إلا الريح،

ثم تمحوها كأنها لم تكن.


ليلة كهذه

تدلّت ظلالُنا من سقف السماء،

وصارت الأشياء تهمس بلغتنا،

تتلو نبضنا،

وتنحني لتسمع ما لم نقله.


كنتَ هناك،

بين شرارة الضوء وانكسار الظلّ،

وفي عينيك كان الفجر

يبدّل ملامح الكون،

ويدعونا لنرقص

على الحافة الهشّة بين الأمس والغد.


تلك الليلة

لم تكن لنا وحدنا،

بل لكل ما سيتكوّن بعدنا،

لصوتٍ سيولد في غرفة القلب،

ولخُطى لم تُخطّ بعد،

ولحنينٍ لم يجد اسمه.


كانت الشوارع ترتجّ كأنها تستيقظ،

والجدران تتهجّى أسرارها الأولى،

والريح تلامس وجوهنا

حتى بدا الهواء سائلاً بين أصابعنا،

والنجوم تتدلّى ككائنات مضيئة

تفتّش عن معنى.


الليل انزلق من بين أيدينا،

وصار صدىً بلا أصل،

والنجوم تسقط بلا صوت،

ونحن… ظلّان يتبعان ظلّهما

في فراغٍ لا يحفظ سوى الغياب.


ومع ذلك،

بقي صمتك — وبقيتُ —

وبقي الليل يخبئ سرًّا

لم نعرف مفاتيحه،

سرًّا أثقل من الكلام،

وأطول من الرحيل.


وفي اللحظة الأخيرة،

همست السماء بأسماءٍ لم تُخلق بعد،

وجرّتنا الريح نحو مسافات مجهولة،

وانطفأ النور بين جفوننا،

وبقينا، كما لو كنّا العالم كلّه،

ننتظر ما لا يعرفه إلا الفجر.

وفي آخر لحظة،

تلاشى الليل في ابتسامة الفجر،

وتحرّرت الظلال من أسماءها،

والريح حملتنا بين السُحب

إلى حيث لا يُقاس الزمان،

ولا تعرف العيون ما ستراه،

فصِرنا صمتًا…

ونحن نعلم أن كل شيء بدأ منذ لحظة،

وكل شيء سيبدأ من جديد،

حين تعود نجمةٌ لتجلس بين كفينا.


#نقاش_دوت_نت 

صمت الأرض، شرارة الضوء، انكسار الظل