تجليات الواقعية النقدية في المجموعة القصصية " ربع أنف ونصف أذن " للكاتبة دعاء زيان
إذا كان أدب ما بعد الحداثة هو الثورة على الحداثة التي تمثل العلم والعقل والقانون والأحكام التي تكبل المشاعر - وتغل الخيال بواقع جهم - فكان لا بد من حل يخرجنا لآفاق الخيال - والحلم والتاريخ- والتناص مع التراث الإنساني باستحضاره والاشتباك معه بفانتازيا الخيال العلمي والأساطير الشعبية والميتافيزيقا - بجانب الواقعية السحرية التي راجت في أمريكا اللاتينية في القرن العشرين ،واصبح نموذجا للتقليد والاستنساخ حدا لا تعرف فيه الأصلى من المصنوع لنصل لدرجة التشبع الفانتازي والسوريالي - وعدنا نطالب بالعودة للكلاسيكيات الكبري لافي شكلها التاريخي التقليدي ، ولكن بالمزج مع كل المدارس وبكل ما جري في نهر السرد من تداخل الأنواع لنخرج بسبيكة جديدة وخلطة سحرية تملك القدرة على الإدهاش والمتعة.
ليست تلك المقدمة لمجرد الاستعراض والثرثرة المعرفية ولكنى أراها ضرورية - كلما فوجنت - بسرديات واقعية - تكاد تكون واقعية تسجيلية إلا آنها تشع وهجا غريبا وسحرا جارفا - رغم واقعية الأحداث والشخصيات والمواقف ، ليس لأنها من لحم ودم فقط وليس لغرابة الواقع الذى تخطي الخيال والمنطق والعقل .حد الجنون والعبث ، ولكن لتلك القدرة التي تتمتع بها المواهب الجديدة على ابتعاث البسمة من المأساة والدمعة من الكوميديا ، كتلك الخلطة السحرية التي وجدتها في هذه المجموعة التي بين أيدينا للقاصة الموهوبة جدا دعاء زيان " ربع أنف و نصف أذن " وهو عنوان رغم غرابته وطرافته ودلالته التي نستشفها عبر .. أحداث القصة التي سميت المجموعة باسمها .
وبعيدا عن حديث العتبات والمقدمات والإهداءات والتي غاليا ما تمثل عبئا علي النصوص وتحد من دلالاتها وإشعاعاتها التي قد لا تخطر ببال الكاتب .
نعود ل "ربع أنف ونصف اذن " ربما كان من حسن الحظ أن يكون العنوان غريبا وطريفا وهو ما ينسحب لا علي القصة نفسها داخل المجموعة فقط ولكن على أغلب النصوص والتي سنستعرض بعضها في هذه القراءة - بعد قصتنا هذه ربع أنف ونصف أذن ومن وقائع القصة التي يسردها بطلها . وكانه مستمتع بعاهته وكانه يروى عن شخص آخر حتى وهو يتحدث من معاناته بسبب حساسية الأنف واعوجاجه حتى أصبح ربع انف في وظيفته. بجانب رئته التي ولد بها منقوصة ويعاني من التنفس ويحكي عن شخيره كأنه المدفع وعن رغبته في الزواج رغم ذلك و هروب الجميلات اللائي لم يخلقن للشقاء ولكن للدلال - وليس لعيادة طبية إلى أن أوقعة حظه في جارته التي لا تشم وتسببت في حريق مطبخ شقتهم ومن سخرية القدر آن يكون هو المنقذ للشقة من الحريق - وللعروس التي رفضت مثله لأسباب مشابهة .. اجمل ما فى القصة سردها الساخر الذي لا يجعلك تأسي قدر ما تبتسم ،وهي سمة . في نصوص كثيرة مثل دبدوب وقبقاب زاهية ومفتاح وزر أحمر كبير والمهقاء -
قصة " خبز جاف "
رغم واقعية القصة حد طبيعية الأحداث إلا أن براعة ودقة توصيف الشخصيات والأبعاد النفسية ونوازعها ورغباتها وما تركه الواقع من قسوة وأنانية وجشع وانتهازية تصل حد القتل ، وفقر يصل حد ييع ما بالبيت ثمنا للقوت - ما عدا -الخبز الجاف المغموس في زيت الزيتون الذي حاء هدية ٠ ،
تتميز القصة ببراعة تحريك الشخصيات والتنامي الدرامي للأحدات ،رغم واقعيتها مما يؤكد براعة الكاتبة فى السيطرة على الأحداث والأشخاص وتداعياتها - في البناء الكلاسيكي للقصة ويؤكد ما أردده دائما أعطنى نصا جيدا مدهشا بعيدا عن الشكل والمدرسة التى كتب بها .
ثمة ابتسامة ساخرة رغم مأساوية القصة عبر السرد لا من اسم محسن وهو غير محسن - ولا من بخله رغم سمنته ، وعرض منكبيه، ومفارقة ناصف وعثمان البرنس، ثنائية الخير والشر ، وظهور ثالث في نهاية النص - يقول بيكيا ليفتح النهاية
هل يستمر الحال ..؟ هل تتكرر الأحداث ؟- هل .؟
قصة " مائة جنيه "
والنسوية التي تتجلي في أغلب قصص تلك المجموعة مثل - ثقوب غائرة - وعلى الحافة - ومائة جنيه - وانا وبنت الاکابر - مكعب ثلج - كلها نماذج لأدب المرأة المقهورة في عالم الرجل والذكورية البغيضة ، وهو أدب تكتبه المراة - متاثرة بالفارق الجنوسي لطبيعتها كانثي بأشيائها الخاصة ونضالها لأخذ حقوقها من استبداد الرجل وجبروته - واستعباده لها
ففى مائة جنيه نجد الرجل بهيئته الاجتماعية الخارجية وسمته الرقيق الجميل يعامل زوجته - بالضرب والإهانة والألفاظ الجارحة
- من قال إنك امرأة - لا يوجد بك مايسر - انتن النساء ينقصكن العقل - لا بد لى من الزواج - رفض الطلاق ، وحين أصرت أصر على الابراء وتركها للفقر وتبرا من أبنه ليتسلمها أخوها الرجل ونفس المعاملة والإصرار على عملها رغم احتياج أمها وابنها لها النفقة لا تكفي والمائة جنيه عنوان القصة التي فكرت أن تشتري بها لحمة في العيد لا تكفى بعد أن أصبح سعر كيلو اللحمة مائتي جنيه تفاصيل كثيرة تعمق مظلومية المرأة في عالم ذكوري بغيض وقد أبدعت المؤلفة في عرضه ببراعة وعمق كما أن عنوان القصة يؤكد أن نفقة المرأة لا تكفيها وهي قضية اجتماعية وصرخة نسوية تدل علي موطن الداء
وتأتي قصة ثقوب غائرة في إطار مظلومية المرأة البنت لا من الرجل ولكن من الأم التي تتزوج وبترك البنت عند جدتها واهمالها بالانصراف لجمع المال لتحدث الجفوة بين البنت وأمها ، قهر المرأة للمرأة أكثر ايلاما وإيجاعا والأقسي أن تتبادل البنت والأم التحدي والإيذاء فلا تعود البنت غمها في مرضها ولا تحضر الأم خطبة ابنتها لابن عمها القصة مركزة ودالة بشخصياتها المرسومة بحرفية وابداع بدون وعظ ولا خطابية
كما أن قصة على الحافة تحكي ببراعة واختصار وسخرية مريرة ،قصة الإبنة الوحيدة التي ينشغل عنها أبوها بجمع المال وامها لطبيعة عملها كطبيبة تغيب أغلب الوقت ويتركانها للخادمة فتضيع وتنحرف وتقرر الانتحار الذي يفشل ربما كانت مكررة وشائة لكنه سحر السرد وحيويته يصنعان المتعة والإدهاش
وكذلك قصة بنت الأكابر وعلاقة الإبن الأناني بأمه وتخليه عنها وقت حاجتها له - وزواجه من بنت الأكابر التى احتاجت لامه - لتربية ابنتهما المعوقة ورد الام .غير المتوقع باشتراطها أن تكون الساعة بعشرين جنيها كالمربية الأجنبية .
-قصة يوم الخبيز ونوستالجيا الزمن الجميل
قصة العادات التي لا تزال الجدات تتمسك بها في سردية فكاهية مشوقة علي لسان الحفيد نور عن يوم الخبيز وجدته " رئيقة عباس " وردات فعل الأسرة حيال تلك العادة بعد أن اشتهرت الأفران الحديثة في كل منزل في البلدة .
قصة جميلة سردا وشخصيات وتفاصيل .كثيرة مبهجة لتغتي النهاية المفاجئة بصوت الج
-- كسرت الماجور يا رئيفة ..؟
إشارات
١-- أدب المرأة بامتياز
٢ -- الحس الفكاهي
٣ -- النهايات المفاجئة - والمهمة ::
٤ -- الحس الروائي في أغلب الأعمال
٥ -- القصص القصيرة " جيدة جدا - كقصص- في سقف الفرقة - انا وبنت الأكابر - الاعرج والقنديل
٦ -- قصة الأبواب الحديدية مفزعة رغم سردها الذي يشير فقط باسلوب راقي لكن الموضوع مقزز فعلا - رغم معاملة الشذوذ كمرض يجب أن يعالج لا كعار لحق بالعائلة وتبرأت منه ليموت بالسرطان كما لو كان عقابا من السماء
٧ -- نختتم بقصة مكعبات الثلج وهي قصة بديعة جدا لم تنس المؤلفة وظيفتها التربوية في نص ماتع عن الحمية والاهتمام بالرياضة والرشاقة ومعالجة الترهل معلوماتية موظفة جيدا مع المغالاة لرسم المفارقة الضاحكة مع الدلالة والمعني والمتعة والإدهاش
تحية تقدير وإعزاز لكاتبتنا القصصية الموهوبة جدا وفي انتظار منها الكثير
#نقاش_دوت_نت
التشبع الفانتازي والسوريالي، نهر السرد، غرابة الواقع، خبز جاف، مائة جنيه
